مدفوعاً بتقلّبات العملات وانتعاش الحركة السياحية الرفاهية دوليا

 


 


سوق السلع الشخصية الفاخرة تسجل أكثر من ربع تريليون يورو عالمياً ولكن تشهد ركوداً في الشرق الأوسط بالتزامن مع تراجع السياحة


 


 يشير التقرير الأخير الصادر عن شركة "بين آند كومباني" إلى أن قطاع المنتجات الفاخرة في العالم، والذي يضم 10 مجالات مختلفة أهمّها صناعة السيارات والفنادق والسلع الشخصية الفاخرة التي تشكّل 80 بالمائة من إجمالي السوق، قد تجاوز حاجز الـ 1 تريليون يورو في حجم المبيعات بالتجزئة خلال العام الجاري، وذلك بزيادة قدرها 5% على أساس سنوي (وفق أسعار الصرف الثابتة)، مدفوعةً بالدرجة الأولى بنمو قطاع السيارات الفاخرة بواقع 8% وقطاع الفنادق الفاخرة بنسبة 7% والفنون الجميلة بواقع 6%.


 


وفي ظل تقلّبات العملات العالمية وتدفّق حركة السياح الأغنياء القدمين من كافة أقطار العالم، وصل حجم قطاع السلع الشخصية الفاخرة إلى أكثر من ربع تريليون يورو.


 


وعلى الرغم من توجّه السياح العالميين إلى دول أوروبا واليابان للإستفادة من تراجع سعر صرف اليورو والين، تمكنّت الأمريكيتان من الحفاظ على استقرارها الإقتصادي ضمن نطاق ملائم وبالتالي الإستحواذ على أكثر من ثلث (34%) إجمالي السوق العالمي في العام 2015.


 


وفي المقابل، سجّلت دول آسيا أسوأ أداء في تاريخها (وفق أسعار الصرف الثابتة)، وذلك نتيجة تباطؤ إقتصاد "بر الصين الرئيسي" والإنخفاض الحاد في المبيعات في هونج كونج وماكاو.


 


وجاءت هذه المعطيات وفقاً لنتائج النسخة الـ 14 من "دراسة السوق العالمي للسلع الفاخرة" التي صدرت مؤخراً في مدينة ميلانو الإيطالية من قبل شركة "بين آند كومباني" بالتعاون مع الجمعية الإيطالية لمصنّعي السلع الفاخرة "فوندازيوني التاجاما".


 


ويبلغ حجم سوق السلع الشخصية الفاخرة، والمتمثّل في الإكسسوارات الجلدية والأزياء والأجهزة والعطورات ومستحضرات التجميل الفاخرة، حوالى 235 مليار يورو في العام الحالي، بما يشكّل 13% زيادةً وفقاً لأسعار الصرف الثابتة، في حين يسجّل معدل النمو الحقيقي تراجعاً ملحوظاً بواقع 1% إلى 2%.


 


وقالت كلوديا داربيزيو، شريكة في شركة "بين آند كومباني" في ميلانو والمؤلّفة الرئيسة للدراسة: "شهدت السنوات القليلة الأخيرة تباطؤاً في سوق السلع الشخصية الفاخرة، وذلك مرده إلى أن الحصول على المنتجات الفاخرة بات أمراً طبيعياً واعتيادياً.


 


ونحن نلحظ حالياً تداعيات هذا التباطؤ. ويكمن التحدّي الأكبر بالنسبة للعلامات التجارية الفاخرة في هذه البيئة في كيفية التأقلم والتغلّب على التقلّبات التي يصعب التنبؤ بها في أسعار العملات".


 


إتجاهات إقليمية: مول الصين العظيم


 


وفقاً لتقرير "بين آند كومباني"، ما يزال المستهلكون الصينيون يشكّلون الشريحة الأكبر من مشتري السلع الفاخرة، بنسبة 31%، يتبعهم الأمريكيون بواقع 24% والأوروبيون بـ 18%.


 


ويصب إهتمام المستهلكين الصينيين حالياً على الأسواق الناضجة، وتحديداً أوروبا في ظل ضعف اليورو، حيث تشير نتائج تحليل بيانات التسوّق المُعفى من الضرائب في أوروبا، والذي أجريَ بالتعاون مع شركة "جلوبال بلو"، إلى نمو المشتريات الصينية المعفاة من الضرائب بنسبة 64% وخاصةً السلع الفاخرة سهلة المنال والسلع الفاخرة المرغوب بها.


 


كما إرتفع إنفاق المستهلكين الأمريكيين على المنتجات الفاخرة المعفاة من الضرائب في أوروبا بنسبة 67%، مع التركيز بشكل خاص على السلع الفاخرة رفيعة المستوى. وفي المقابل، تراجع الإنفاق الروسي في أوروبا بنسبة 37%، بينما إنخفضت الحركة الشرائية لليابانيين في أوروبا أيضاً بواقع 16%.


 


وأكّدت فيديريكا ليفاتو، مسؤولة في "بين آند كومباني" والمؤلّفة المساعدة في الدراسة، على الدور الكبير للمستهلكين الصينيين في دفع عجلة نمو الإنفاق على السلع الفاخرة في العالم، مضيفةً: "من المعروف أن المستهلكين الصينيين ينفقون أكثر في الأسواق الخارجية بالمقارنة مع سوق "بر الصين الرئيسي"، ولكنّنا نلحظ حالياً تراجع معدلات إنفاقهم في وجهاتهم المعروفة تاريخياً مثل هونج كونج وماكاو، وتحوّل اهتمامهم إلى الأسواق الجديدة كأوروبا وكوريا الجنوبية واليابان وذلك للإستفادة من التقلّبات الراهنة في العملات والتي أدت إلى فجوة كبيرة في الأسعار بين الأسواق".


 


وعقب مرحلة من النمو المفرط على مدى سنوات عدة، وصلت سوق السلع الشخصية الفاخرة في منطقة الشرق الأوسط إلى حالة من الإشباع والركود خلال العام الجاري.


 


ويعود التباطؤ الحاصل بالدرجة الرئيسية إلى الانخفاض في الإنفاق على السياحة لا سيما في دولة الإمارات، في الوقت الذي لا تزال فيه السوق المحلية قوية للغاية.


 


وعلى صعيد القطاعات السوقية، واصلت المجوهرات التفوق على غيرها من فئات السلع الشخصية الفاخرة.


 


وقال سيريل فابر، شريك ورئيس قسم تجارة التجزئة والمنتجات الإستهلاكية في شركة "بين آند كومباني" في الشرق الأوسط: "نتوقع أن تشهد سوق الشرق الأوسط ظهور بوادر انتعاش خلال المرحلة المقبلة، مدفوعةً بالنشاط المتنامي على صعيد افتتاح مراكز تسوق جديدة، إلاّ أننا نجد في الوقت ذاته بأنّ النمو الإقليمي سيكون بوتيرة أبطأ بكثير مقارنةً بالسنوات الخمس الماضية.


 


ومن المتوقع أن يصبح معدل نمو أحادي المرتبة المعيار الجديد السائد ضمن السوق الإقليمية، بالتزامن مع بروز الآثار الهامة للقدرات المطلوبة لتحقيق النجاح." 


 


وعلى صعيد أسعار الصرف الثابتة، لم يكن أداء السوق الأمريكي على مستوى التوقعات. إذ اعتُبر "السوبر دولار" مكلفاً للغاية بالنسبة للكثير من السياح العالميين. وعلى الرغم من الارتفاع المستمر في معدلات الاستهلاك المحلي، إلاّ أنه بالكاد كان كافياً للتعويض عن التراجع الحاصل في إيرادات السياحة.


 


وعلى رغم ذلك برزت الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أكبر سوق للمنتجات الفاخرة، من حيث القيمة العالمية التي وصلت إلى 79 مليار يورو، في الوقت الذي تفوقت فيه مدينة نيويورك لوحدها على السوق الياباني ككل.


 


أثبتت اليابان بأنها المنافس القوي الثابت من حيث القيمة الحقيقية والاسمية، مدفوعةً بقاعدة متينة من المستهلكين المحليين وتنامي تدفق المتسوقين الصينيين الذين يتطلعون إلى الاستفادة من التقلبات في أسعار العملات.


 


أما سوق المنتجات الشخصية الفاخرة في هونج كونج وماكاو، فتأثر سلباً بعدد من الإجراءات الحكومية الرامية إلى تنظيم "السوق الرمادية" في الصين، لتشهد بذلك انكماشاً بنسبة 25% من حيث القيمة الحقيقية.


 


وفي الوقت الذي استمر فيه انخفاض الإنفاق على نحو طفيف في الصين، ساهم التقدير المتزايد للعملة المحلية في جعل الصين في المرتبة الثالثة من حيث القيمة العالمية للسلع الفاخرة بعد الولايات المتحدة واليابان، متجاوزةً بذلك إيطاليا وفرنسا.


 


الاتجاهات الناشئة في التوزيع 


 


يحافظ قطاع تجارة الجملة على مكانته باعتباره قناة البيع الرئيسية والسائدة ضمن سوق السلع الشخصية الفاخرة، مستحوذاً على 66% من حصة السوق. وبالمقابل، يستمر قطاع تجارة التجزئة بزيادة حصته السوقية على الرغم من التباطؤ في توسيع الشبكة، حيث تشير الإحصائيات إلى افتتاح أكثر من 600 متجر تحت إدارة مباشرة في العالم خلال العام 2015 مقابل 750 متجر في العام 2014، فضلاً عن نمو المبيعات من عام إلى آخر بمعدل يتجاوز 13% وفق معدلات الصرف الحالية.


 


وبالتوازي، حققت التجارة الإلكترونية اتساعاً ملحوظاً لتستحوذ على 7% من حصة السوق في العام 2015، بنسبة اختراق للسوق تقارب ضعفي نسبة العام 2012. وساهم المسافرون الدوليون من ذوي الملاءات العالية في تعزيز أداء تجارة التجزئة في المطارات، والتي سجلت نمواً بمعدل يفوق 29% وفق معدلات الصرف الحالية وأكثر من 18% وفق أسعار الصرف الثابتة، لتستحوذ حالياً على 6% من سوق المنتجات الفاخرة في العالم.


 


وبالتزامن مع اتساع الطبقة الوسطى ضمن العديد من الاقتصادات العالمية مثل الصين والتي تبحث عن منتجات عالية الجودة وبأسعار تنافسية، سجل حجم تجارة السلع الاقتصادية نمواً بمعدل يتجاوز الضعف ليصل إلى نحو 26 مليار يورو.


 


وتشهد السوق توجهاً متزايداً نحو تخفيض الأسعار في أكثر من 35% من سوق المنتجات الفاخرة، مع التركيز بالدرجة الأولى على المتاجر الكبيرة والمتخصصة والمتاجر الإلكترونية على شبكة الإنترنت.


 


قيمة الرفاهية 


 


تشير "بين آند كومباني" إلى أنّ التحدي الأبرز الذي يقف في وجه معظم العلامات التجارية الفاخرة يتمثل في تحديد نموذج التسعير الصحيح. وبالمقابل، يساهم تنامي نشاط التجارة الإلكترونية ونمو السياحة العالمية في خلق المزيد من الشفافية فيما يتعلق بالفروق في الأسعار الدولية. ويعاني متسوقو السلع الفاخرة، ممن يأخذون بعين الاعتبار الأسعار السوقية، حالياً من أجل التوفيق بين أسعار المنتجات الفاخرة وقيمتها الحقيقية.


 


وبالنتيجة، بات يتوجب على العلامات الفاخرة تقييم كيفية التخفيف من التقلبات وتبني أفضل السبل لتقديم السلع الفاخرة على المستويات المحلية والعالمية، وهو ما يشمل إدارة المخزون في سبيل استيعاب التقلبات المترتبة عن السياحة وتنسيق عمليات التسعير وتخفيض الأسعار عبر مختلف الأسواق وقنوات البيع والتوزيع.


 


وتواجه العلامات التجارية الفاخرة في الوقت الراهن مجموعة من القضايا الملحة، أبرزها إعادة النظر في مدى حضور المتاجر التابعة لها، وطبيعة دورها وتأثيرها ضمن عالم التكنولوجيا الرقمية، فضلاً عن معرفة كيفية تحقيق رضا وسعادة العملاء المحليين، حتى في ظل تدفق أعداد هائلة من السياح على المتاجر في الأسواق الناضجة.


 


واختتم داربيزيو: "تمثل الهدف الرئيسي من الارتفاع المستمر في الأسعار على مدى العقد الماضي في خلق حضور قوي وحصري ضمن السوق، ولكن بدأت الزيادة في التدفقات السياحية حالياً تتسبب في تحقيق نتائج عكسية على العلامات التجارية الفاخرة، التي بات يتحتم عليها مواجهة تحديات طويلة الأمد على صعيد إعادة بناء والمصداقية والثقة مع المستهلكين، عوضاً عن إجراء التعديلات الطفيفة في استراتيجيات التسعير للاستفادة من تقلبات السوق."


 


 


جميع الحقوق محفوظة لموقع الخبر الاقتصادي