القدس اللندنية: الاسرائيليون وحدهم اكثر المتعاطفين مع "مبارك"

 


 



نشرت صحيفة القدس اللندنية مقالًا يعبر عن رأيها في المحاكمة التي شهدها العالم الأسبوع الماضي، للرئيس المصري السابق وبعض رموز حكمه، حيث رأت الصحيفة أن الاسرائييين وحدهم كانوا الأكثر تعاطفًا مع "مبارك" وكتبت:



لم يكن مستغرباً هذا التعاطف الكبير الذي ابداه المسؤولون الاسرائيليون تجاه الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، واعتراضهم الشديد بالتالي على تقديمه الى المحاكمة، فالرجل قدم لهم ولدولتهم الاسرائيلية ثلاثين عاما من الاستقرار، حيث جعل الحفاظ على امنهم احد ابرز مهام حكمه، وتصدى لكل حركة عربية، سلمية كانت او مسلحة، تريد زعزعة هذا الامن، او ضرب هذا الاستقرار.



بعض الاسرائيليين، صحافيين كانوا او مسؤولين، تباكوا على الرئيس مبارك، وذرفوا الدموع تعاطفا معه، ورفضوا في الوقت نفسه الاتيان به على سرير الى قاعة المحكمة التي التأمت يوم امس الاول في اكاديمية الشرطة التي كانت تحمل اسمه، والقى فيها آخر خطاباته العلنية.



ينسى هؤلاء ان اسرائيل مارست ضغوطا كبيرة على المانيا لاعتقال ومن ثمة محاكمة دوميانيوك حارس افران الغاز النازية وهو في التسعين من عمره ودخل الى المحكمة على كرسي متحرك بالكاد يستطيع الكلام، نقل بعدها الى السجن لاكمال فترة المحكومية الصادرة في حقه.



المانيا دولة اوروبية توضع في قائمة الدول الديمقراطية المتحضرة، ومع ذلك لم يرق قلبها لحارس افران الغاز النازي، والشيء نفسه يقال ايضا عن مركز فوزنتال المكلف بمطاردة النازيين الالمان الذي ارتكبوا مجازر في حق اليهود، وتقديمهم الى العدالة مهما طال الزمن.



نتمنى ان يكون لدينا كعرب مركز مماثل ليس فقط لمطاردة الزعماء العرب ونسلهم وقادة اجهزتهم الامنية، وانما ايضا مجرمي الحرب الاسرائيليين الذين استخدموا الفوسفور الابيض ضد الآمنين العزل اثناء العدوان على قطاع غزة، او زملائهم الذين ارتكبوا مجازر عديدة في جنوب لبنان ابرزها مجزرتا قانا الاولى والثانية. ولا ننسى في هذه العجالة مدرسة بحر البقر المصرية، ومجزرة سفن الحرية في عرض البحر المتوسط.



الرئيس مبارك كان مريضا فعلا، ولكن هناك مبالغات كبيرة في تضخيم حالته الصحية طوال الاشهر الماضية للحيلولة دون تقديمه الى العدالة، فالرجل، مثلما وضح من الصور التي بثها التلفزيون المصري، كان افضل كثيرا مما صوره محاموه، يتابع الجلسة، ويتحدث الى نجله جمال، ودون اي معدات طبية خاصة، وكان يمكن ان يمثل امام القضاء على كرسي متحرك، ولكن الذين كانوا يريدون ابتزاز اقصى قدر ممكن من التعاطف معه ارادوا غير ذلك.



نحن لا نصادر حق من يريد التعاطف مع الرئيس المخلوع، بل حتى من يدافع عنه، ويذكرنا ببعض انجازاته دون ان يسميها، ولكننا نرى ان من حقنا، وعشرات الملايين من ابناء مصر ان نصر على تقديمه الى العدالة، قصاصا من الجرائم التي ارتكبها طوال فترة حكمه التي امتدت لثلاثين عاما، الجرائم السياسية قبل الجرائم الجنائية.



فاللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الذي عاث في الارض قمعا واضطهادا، واصدر اوامره لقواته باطلاق النار بهدف القتل على ما يقرب من 500 متظاهر في ميدان التحرير بالقاهرة وفي العديد من المدن المصرية الاخرى، كان ينفذ اوامر وتوجيهات رئيسه، ومن اجل الحفاظ على استمراره على كرسي العرش لاطول فترة ممكنة، وبعد ذلك لتوريثه الى نجله جمال الذي كان يتصرف كولي للعهد، وحاكم مصر المقبل، يعين الوزراء، ويقرر السياسات، ويدير مطبخ الدولة مع مجموعة من الفاسدين من اصدقائه من طبقة رجال الاعمال. الذين يتعاطفون مع الرئيس مبارك ويذرفون الدموع حزنا على الطريقة التي عومل بها، عليهم ان يضعوا انفسهم مكان اسر ضحاياه، وتحسس حجم المعاناة التي يعانونها نتيجة فقدانهم فلذات اكبادهم غدراً، وهم العزل، سواء برصاص قوات الامن، او دهساً بسياراتهم واعوانهم، وقد شاهدنا ذلك بام اعيننا على شاشات التلفزة والصور لا تكذب.



لا يوجد نص قانوني مصري، او غير مصري، يمنع تقديم الرئيس المخلوع للمحاكمة بسبب مرضه او تقدمه في السن، والا لجادل محاموه، وما اطول باعهم، حول هذه النقطة في بداية المحاكمة، مضافا الى ذلك ان المساواة امام القانون هي من اهم ركائز العدالة، فما بالك برئيس ظالم فاسد على الصعيدين السياسي والمالي بل وحتى الاخلاقي، فليس من الاخلاق ان يعيش حياة الاباطرة ويجمع المليارات بينما الغالبية الساحقة من ابناء شعبه لا يجدون رغيف الخبز او علبة الدواء لاطفالهم.



الرحمة مطلوبة، والشفقة ضرورية ولكن مع من يستحقونها ولا نعتقد ان الرئيس المخلوع واحد من هؤلاء.



 



 



 





جميع الحقوق محفوظة لموقع الخبر الاقتصادي