تحقيق: احمد اسكندر
"السياحة الحلال" المصطلح الذى تتداوله نقاشات المهمومين بالسياحة من مؤسسات عالمية وحكومات حتى الفرد العادى.مصطلح يشير الى منظومة وثقافة تصبغ العملية السياحية لتختلف عما قبلها وتؤثر فيما هو قادم.
لاول وهلة عند التدقيق فى المصطلح سيقودك الادراك المباشر الى ضوابط دينية وشرعية تنظم هذا النوع من السياحة ؛هناك من يرفض المصطلح ويطالب باعادة التسمية وهناك من يرفعه شعار ولكن الجميع متفق على تعريفه هو النوع من النشاط السياحي الذى يراعى النوازع الدينية والمعتقدات والشرائع عند قضاء اوقات الترفيه والتنزه .
أرقام تصنع وقائع:
تشير الإحصاءات إلى أن المسلمين يشكلون حاليًا 23% من سكان العالم، ومن المتوقع زيادة النسبة إلى 26.5 بحلول عام 2030، وصار السوق الإسلامي سوقًا استهلاكيًا مهمًا في العالم كله وبالتالى اصبح النمو فى سوق السياحة الحلال بشكل أسرع من متوسط نمو السياحة العالمية، مما يجعله هدفًا وتوجهًا لمعظم البلدان التي تحرص على زيادة أعداد السياح.
ووفقًا لإحصاءات منظمة السياحة العالمية شكلت السياحة الحلال 9% من إجمالي قطاع السياحة عام 2010 وبلغت قيمتها نحو 90 مليار دولار، وفي عام 2011 زادت قيمتها لتصل إلى 126.1 مليار دولار، أي شكلت نسبة 12.3% من إجمالي دخل السياحة العالمية، ثم ارتفع هذا الرقم ليبلغ 140 مليار دولار عام 2013، أي 13% من إجمالي دخل السياحة العالمي، وتشير بعض التوقعات إلى نمو قيمة سوق السياحة الحلال بنسبة 5% سنويًا حتى عام 2020، لتصل إلى 192 مليار دولار، ولا يتضمن هذا الرقم الرحلات الدينية للحج والعمرة.
كما أشار تقرير آخر أصدرته حكومة دبي تم إعداده من قبل تومسون رويترز" وبالشراكة مع "دينار ستاندرد"، أن قطاع السياحة الحلال يمثل 11.6% من حجم الإنفاق السياحي على مستوى العالم، مع توقعات بارتفاع قيمته إلى 238 مليار دولار بحلول عام 2019.
وصل عدد السياح، العام الماضي2015، إلى مليار و200 مليون سائح، منهم 110 ملايين سائح مسلم، أنفقوا 150 مليار دولار. وكانت صدارة الجذب وقتذاك لماليزيا. ويتوقع معهد دراسات المواصفات الأميركي نمو هذا القطاع حتى عام 2020 بنسبة 4.7% سنوياً.
الاحصائيات الصادرة تشير الى ان الوجهات السياحية الحلال منتشرة بقارات العالم لكن الملفت خروج مصر من قائمة افضل عشر وجهات سياحية حلال يقصدها السياح بالعالم رغم تنوع السياحات فيها من شاطئية وعلاجية وثقافية ودينية ؛وفقا لمؤشر السفر العالمي فى العام الماضي فان افضل الوجهات السياحية ذات الاغلبية السكانية المسلمة المفلضة لدى السياح المسلمين تصدرتها ماليزيا ثم تركيا ثم الامارات ثم السعودية وقطر مع العلم ان رحلات الحج والعمرة ليست ضمن التصنيف؛ووفقا للمؤشر فان افضل الوجهات السياحية ذات الاغلبية السكانية الغير مسلمة جاءت سنغافورة بالمركز الاول ثم تايلاند ثم المملكة المتحدة تبعتها جنوب افريقيا ثم فرنسا.
,وحسب آخر تصنيف لموقع شركة السياحة الحلال السنغافورية "كريسنت ريتنغ"، والذي تصدّرته ماليزيا، تلتها الإمارات في المرتبة الثانية، وتركيا في المرتبة الثالثة، وإندونيسيا في المرتبة الرابعة، والسعودية في المرتبة الخامسة، والمغرب في المرتبة السادسة، والأردن في المرتبة السابعة، بينما احتلت قطر وتونس ومصر، المراتب الثامنة والتاسعة والعاشرة على التوالي.
خروج مصر من القوائم المتميزة للسياحة الحلال يثير تساؤلات كبيرة .هل تفتقر مصر للمكونات الاسياسية للسياحة الحلال؟ هل السياحة الحلال موجودة فعلا لكن مدمجة فى القطاع كلية؟ هل وجود سياحة من هذا النوع مفيد ام مربك للقطاع، هل هذا النوع من السياحة مربح ؛وهل قامت دراسات حوله؟ لماذا يقصد السياح المسلمين بلا اخرى غير مصر رغم الثراء الاثري والثقافي والديني والشاطئي.
لتقديم عرض توصيفي للمشكلة وايضاح ابعادها قمنا بمحاورة بعض من خبراء السياحة فى مصر لنقف على اهم المفارق والطرق فى قضية السياحة الحلال.
رئيس شركة سيسي ترافيل وعضو مجلس اتحاد الغرف السياحية باسل السيسي يقول : مصطلح السياحة الحلال مضطرب لان هذا يثير الشكوك فى شرعية السياحات الاخرى هل هى حرام؟ واضاف ؛ان اثارة الموضوع بهذا الشكل والترويج للسياحة بهذا المسمى الجديد سيثير مشاكل كبيرة وستدخل السياحة فى عنصرية دينية وهذا ما سيضرها خاصة ان الوضع السياسي والامنى لا يتحمل هذه النزعة العنصرية".
وعن مقومات السياحة الحلال فى مصر يقول "مكونات السياحة الحلال موجودة فى مصر من فنادق وشواطىء متحفظة ومساجد للصلاة ومرافق خاصة بالسيدات كلها متوفرة والرغبة ترجع الى السائح فى الاختيار لان مفيش اجبار فى السياحة".
وعن ضعف اقبال سياح جنوب شرق اسيا الى مصر خاصة ان عدد السياح المسلمين هنالك كبير ومتزايد يفسر السيسي "مسلمين جنوب شرق اسيا والسياح هناك عامة مش بيجوا مصر بسبب تكلفة الطيران العالية وليس بسبب عدم توافر مقومات السياحة الحلال عندنا".
ويضيف "احنا لازم نعمل سياحة تناسب الشعوب لان مينفعش نجبر السياح على نوع معين من السياحة ؛ ونسوق لسياحتنا حسب احتياجات كل شعب اللى محتاج حلال نقوله عندنا اللى يناسبك واللى محتاج غيرها نقوله عندنا".
كريم محسن نائب رئيس اتحاد الغرف السياحية والخبير السياحى يقول : "المصطلح نفسه غير دقيق ولو جاز التوصيف يمكن القول بانها السياحة المتحفظة ؛ والقول بوجود سياحة حلال فان ما دونها كله حرام وهذا امر ضار جدا".
ويعلق محسن عن سبب عدم انتشار هذا النوع من السياحة فى مصر "سياحتنا كلها أوروبية حتى السياح العرب لا يطلبون سياحة حلال كلهم يطلبون سياحة اوروبية ولابد ان نجري دراسات هل هذا النوع من السياحية (يقصد السياحة الحلال) مطلوب وهل سيحقق عوائد ام لا.
ولكن أليست السياح الدينية بحاجة الى نوع من هذه المرافق المتحفظة او الحلال ؟ يجيب محسن "السياح اللى بيقصدوا مصر لاجل السياحة الدينية بيختاروا الفنادق المتحفظة التى تخلو من الخمور والقمار وهى موجودة فى مصر لكن لا تقول انها فنادق حلال هى موجودة وأى سائح ممكن يقعد فيها".
وعن السياح المسلمين والقادمين من جنوب شرق اسيا ؛ يوضح محسن "سياح شرق وجنوب شرق اسيا بيتجهوا الى مصر لاجل السياحة الثقافية فقط وليس سياحة شاطئية فهو لن يقطع هذه المسافات ومبالغ السفر العالية عشان يصيف عندنا ،هناك مقاصد شاطئية جيدة ورخيصة الوصول اليها؛ وبالتالى فهم ليسوا بحاجة الى منتجعات وشواطىء وفنادق حلال ؛فهو يقضي طول النهار فى الخروج والجولات ثم يأتى للفندق من اجل النوم فقط".
ولكن ألسنا بحاجة الى مرافق سياحية متحفظة تناسب السائح الاوروبي المسيحي والمتحفظ والذى يأتى لمصر لغرض السياحة الدينية والثقافية يجيب محسن "السياحة الثقافية تقلصت فى العقدين الاخيرين بسبب عدم وجود طيران منتظم (شارتر)كافي بين العواصم الاوروبية والاماكن اللى فيها سياحة ثقافية ودينية زى سيناء والاقصر واسوان ؛فالسائح بيخاف ينزل مطار القاهرة وبعد كدا يسافر لسيناء او الاقصر ويضيف ؛حتى السياح الذين يأتون فى احتفالات دينية مثل الكريسماس هم سياح عاديين ويذهبون للشواطىء والمنتجعات ولا يطلبون مرافق سياحية متحفظة".
المعلوم حاليا ان اغلب السياحة الحلال تخرج من دول جنوب شرق اسيا وتوفر الدول السياحية المحيطة بهم مثل اليابان وسنغافورة وتايلاند وماليزيا كل ما يتطلبه السائح المسلم فلا حاجة اذن لان يبحث عن السياحة الحلال فى المنقطة العربية وهذا هو التفسير الرائج عن السبب الذى يجذب السائح المسلم لهذه الدول الاخيرة.
وهل يمكن ان تشترك مصر فى كعكة السياحة الحلال التى بدءت تدر بالميارات يقول محسن "الاهم حاليا نعمل خطة قصيرة الاجل عشان نسترجع السائح القديم ونقدر نحقق مكاسب سريعة ثم نعمل بالتوازي خطط متوسطة وطويلة الاجل نعمل من خلالها نوعية جديدة من السياح ونجذب نوعية جديدة من السياح ونحقق مكاسب على المدى البعيد ؛وبالتالى فقضية السياحة الحلال غير ضرورية على المدى القصير لان مصر لديها زبونها السياحي الموجود فعلا ولازم نرجعه الاول ؛ده الطريق الاسهل والاسرع حاليا لعودة السياحة الى طبيعتها ثم نفكر فيما بعد فى النوعيات الجديدة من السياحة الحلال وغيرها".
نقيب السياحيين باسم حلقة يرى ان السياحة امر غير مرتبط بتوجه عقائدى فهى نشاط ارتبط بحركة الانسان وانتقاله من مكان الى مكان ؛قائلا" السياحة سياحة مفيش سياحة حلال واخرى حرام؛والسائح هو اللى بيختار المكان حسب اعتقاده وتوجهه"
ويفسر حلقة الامر "هناك اشتراطات عامة بتضعها الوزارة للمنشأة السياحية عشان تعطى المنشأة التقييم وعدد النجوم وهذه اشتراطات الزامية ؛لكن هناك اشتراطات خاصة يضعها صاحب المنشأة او يحذفها حسب رغبته مثل الخمور والقمار والملاهي والاختلاط او الاقتصار على جنسيات معينة وغيرها، وبالتالى فكل مستثمر سياحى بيضع الاشتراطات التى ستجلب له المكاسب، الميريديان شال الخمور ونقص نجمة وهذه رغبة صاحبة الفندق واكيد مخسرش، وكذلك فالسائح امامه المنشأت التى يختار من بينها ما يناسبه فهو غير ملزم باطار سياحى معين؛ ومصر تعتبر دولة اسلامية فده بيدي طمأنينة وثقة للسائح المسلم عامة ".
ويضيف حلقة "المستمثر السياحى بيشوف السائح عاوز ايه وبيعمل له حلال او حرام او أيا كان".
ويضيف حلقة "السائح يستطيع ان يتجنب اى شيء لا يرغبه ؛فهو بالنهار والليل يخرج الى الاماكن التى تناسبه وتناسب معتقداته المتحفظة ايضا ثم يأتى للفندق من اجل النوم فقط وبالتالى فخصوصياته يمكنه الحفاظ بكل الاشكال ؛ويضيف لو ان المنشأت المتحفظة او الحلال كما يسميها البعض تغطى التكاليف لأقامها اصحابهاظ ن ويمكن لصاحب المنشأة ان يعمل أقسام او يخصص ايام لهذا النوع من السياحة المتحفظة او الحلال دون ان يضطر ان يخصص منشأت بعينها لهذه السياحة".
لكن هل اقبال السائح العربي على مصر يتطلب منشاءات متحفظة او حلال ؛يرد حلقة " السائح العربي عكس السائح الغربي لان العربي بيأتى فى سياحة عائلية وليست سياحة مجموعات ؛فهو يقضى اوقات طويلة بمصر وبالتالى فبيقوم باستئجار شقق بدل من الفنادق لانها ارخص وتناسب عائلته فاشغال العرب للفنادق ضعيف جدا ؛بالاضافة الى انه يعرف مصر جيدا فليس بحاجة ان ينضم لجروب سياحى ويسير وفق برنامج سياحي مخطط ؛اذن السائح العربي بيصنع سياحته الحلال من تلقاء نفسه ".
يكاد يتفق الخبراء ان نوعية السائح الذي يأتى هى التى تحتم على البلد المستضيف نوعية السياحة والمنشأة السياحية المراد صياغتها وبالتالى فمصطلح السياحة الحلال ليست نوعا سياحيا بقدر ماهى استجابة اجرائية وانشائية لنوعية السائح القادم ؛فمثلا منطقة شرق البحر الأسود ساهمت في دفع تركيا إلى اللجوء للسياحة الحلال، لتجذب السياح العرب والمسلمين وتعوّض الفاقد بعد العقوبات الروسية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، التي حرمت تركيا من نحو 4 ملايين سائح روسي ينفقون نحو 6 مليارات دولار، وعملت حكومة أنقرة على المرافق والترويج لتكون منطقة شرق البحر الأسود رائدة في مجال السياحة الحلال في العالم.