أكد الداعية الإسلامي الدكتور أحمد علي سليمان عضو المكتب الفني بقطاع التعليم الأزهري بهيئة جودة التعليم والمدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية، أن الله تعالى أوجب على المسلمين حماية وتأمين الناس.. كل الناس، حتى المشركين غير المعتدين الذين يطلبون الحماية، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) فما بالنا بأهل الكتاب، لافتا إلى أنه يتعجب غاية العجب من المغيبين الذين يقتلون إخواننا المسيحيين وأهل الكتاب الذين أوصانا الله عز وجل بهم من فوق سبع سموات وأوصانا بهم رسولنا الكريم خيرًا.
وحيا د.سليمان، في لقاء له الاثنين 19 ديسمبر 2016م ببرنامج “اليوم” على قناة “الحرة الفضائية” الذي يعده علي عبد الصادق، ويقدمه أسامة يوسف، حيا الأزهر الشريف على مواقفه المشرفة، وعلى تاريخه الناصع حيث لم يُخَرِّج إرهابيًّا أو متطرفًا عبر تاريخه الذي يمتد لــ 1044 عامًا، بل نشر التسامح والمحبة والسلام في كل مكان، ولعل هذا هو سر احترام كل شعوب العالم له، وموقفه من قضية التعايش السلمي تاريخي وواضح ينطلق من تعاليم الإسلام الصحيحة، ومن ثم يُربي أبناءه والمسلمين عامة على الاعتدال، والوسطية، وقبول الآخر المخالف في الدين والعقيدة والجنس واللون واللغة، واحترام عقائد الآخرين، وشعائرهم، ودور عبادتهم.
وأوضح الداعية الإسلامي، أن الأزهر الشريف يؤكد مرارًا وتكرارًا على ترسيخ المواطنة والمساواة، واحترام آدمية الإنسان وحريته الدينية وإقامة العدالة مع الجميع والتكافل الاجتماعي، والبر وحسن العشرة والمعاملة مع إخواننا المسيحيين وغيرهم، ولا شك أن زيارة د. أحمد الطيب شيخ الأزهر للفاتيكان -والتي تعد الأولى من نوعها في تاريخ الأزهر- وغيرها من الزيارات الخارجية؛ جاءت لتأسيس مرحلة جديدة من السلام العالمي والتسامح العالمي والتعاون المشترك لترسيخ التعايش والمحبة والإخاء وتعزيز قيم التعددية والانفتاح وقبول الآخر، لأكبر دليل على ذلك.
وأشار د. أحمد سليمان إلى أن فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أدان الاعتداء على دور العبادة خاصة ما حدث مؤخرًا في الكنيسة البطرسية بالعباسية، وما سبقه من تفجير مسجد السلام بالهرم، بصورة فورية، وعزىّ البابا تواضروس وجميع المصريين، وتابع الحادث لحظة بلحظة، وألقى من الإمارات –حيث سفره وقتذاك- كلمة تليفزيونية أدان فيها الإرهاب والاعتداء على دور العبادة ونقلتها جميع وسائل الإعلام.
ولفت الداعية الإسلامي، إلى موقف رئيس جامعة الأزهر د. إبراهيم الهدهد الذي يجسد روح الوطنية والتعايش السلمي وقبول الآخر حيث عطَّل الدراسةَ في الجامعة في اليوم التالي للحادث (الاثنين) تضامنًا مع ضحايا حادث الكنيسة البطرسية وإخواننا المسيحيين، وأمر بفتح المستشفيات التابعة لجامعة الأزهر بالقاهرة؛ لاستقبال الجرحى والمصابين، كل هذا يدل دلالة واضحة على رفض الأزهر الشريف جامع وجامعة لأي اعتداء على أماكن العبادة فضلاً عن تأثيمه وتجريمه للإرهاب.
وساق د. أحمد علي سليمان، موقفًا تاريخيًّا مشرفًا لشيخ الأزهر في عهد الخديوي عباس الأول –ذكره الشيخ أحمد ربيع في كتابه: من المواقف الخالدة لعلماء الأزهر– حيث كان الخديوي يبغض النصارى؛ فأخرج منهم مَن كان يتولى منصبًا حكوميًّا، ونالهم أذى واضطهاد شديد، ولما ثار غضبه عليهم أراد أن يُخرج المسيحيين من الأراضي المصرية، ونفيهم إلى السودان، وأرسل إلى الشيخ الباجوري شيخ الإسلام يومئذ يستشيره في ذلك، فوقف أمامه شيخُ الأزهر الشيخ الباجوري (رحمه الله)، وعبَس في وجه الخديوي، واستنكر هذا الأمر بشدة وقال له مستنكرًا بأعلى صوته: الحمد لله الذي لم يطرأ على ذمة الإسلام طارئ، حتى تغدر بإخواننا المسيحيين الذين هم في ذمة الله إلى يوم القيامة.
وتساءل د. سليمان: لماذا لم يظهر الإرهاب قديما خلال الألف عام، مؤكدًا أن الأزهر الشريف طوال تاريخه المديد لم يُخرّج سوى الدعاة والعلماء ولم ينشر إلا السماحة والوسطية والاعتدال والاستنارة ولم يحد عن جادة الصواب فكان هو عقل الأمة وضميرها.
ولفت إلى أن الأزهر الشريف يَدْرُس فيه من خارج مصر نحو 40 ألف طالب وطالبة من معظم دول العالم، والعالم كله يُقدر دوره ورسالته، ويُقدر مناهجه التي تخلو من أي تمييز أو عنصرية، بل تدعو إلى التعددية والتعايش وقبول الآخر، وتجعل من الاختلاف إثراء للمجتمع وخصوبة للحياة، باعتبار أن التعددية سنة من سنن الله في أرضه وفي كونه وفي الحياة.
وأوضح أن الأزهر الشريف منذ نحو خمسين عامًا وهو يتعرض للإضعاف الممنهج، الأمر الذي ساعد على تسلل الأفكار المتطرفة البعيدة كل البعد عن الإسلام وعن وسطية الإسلام وظهورها في بلادنا وفي العالم، منبهًا أن العاصم من هذه الأفكار وبالتالي احتوائها وتحجيمها لن يكون إلا بتمكين الأزهر الشريف وتقويته، والوقوف في ظهره ومساندته، حتى يؤدي دوره المنوط به على أكمل حال.
وحذر من الهجمة الشرشة التي يتعرض لها الأزهر الشريف، وتشويه صورة علمائه وطلابه، وتطلق دعاوى السفهاء من هنا وهناك لإغلاق المعاهد الأزهرية، ومحاربة مناهجه التي يقطع الطلاب الوافدون آلاف الأميال ويقضون سنوات طويلة في رحابه من أجل تعلمها وإتقانها ونشرها في بلادهم، ومما يؤسف له أنه إذا ألمّ بالبلاد حادث، تستدعى "الاسطوانة المشروخة" فيُستدعى الأزهر ومناهج الأزهر وعلماء الأزهر ويُلقى عليهم باللوم.
ودعا د. أحمد علي سليمان إلى ضرورة أن نقف جميعًا في ظهر الأزهر الشريف، ونسهم في تقوية دوره وتمكينه من أداء رسالته، محذرًا من أن إضعافه سيكون أثره بالغ الخطورة على الفرد والأسرة والمجتمع بل والإنسانية، وبذلك وبدون مبالغة نكون قد أفسحنا المجال للمتطرفين وعرَّضنا أمنَ البلاد بل والعالم واستقراره لخطر حقيقي على المدى البعيد، لا قدر الله.
لمشاهدة الحلقة يرجى الدخول على اللينك التالي: