كثيرة هي مآسي اللاجئين حول العالم.. أناس من مختلف الثقافات والديانات.. حملوا على أكتافهم أمل الحياة، وانطلقوا في أصقاع الأرض هرباً من صراعات ونزاعات أهلكت الحرث والنسل، وغطت بحاجبها الثقيل إشراقة مستقبلٍ لطالما انتظروه.
لكل لاجئ من هؤلاء قصته.. ولكل منهم أحلامه.. لكنهم جميعاً يشتركون بالهدف من وراء اللجوء: "الحياة الأفضل".. فهذا ما يسعون وراءه، ويجتهدون في تحقيقه.. معيشة في مكان ما على وجه هذه البسيطة، تضمن لهم خبزاً، وأمناً، وكرامة.. قد يهرم لأجلها الآباء ويكبر في بلوغها الأبناء.. وأيضاً، قد يفقدون حياتهم في سبيلها.
وقد شهدت الأعوام الأخيرة ازدياداً كبيراً في أعداد النازحين واللاجئين، بسبب النزاعات والاضطرابات في عدد من الدول الشقيقة ودول في آسيا وشمال أفريقيا، فوفقاً لتقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 39% من إجمالي عدد اللاجئين حول العالم هم من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حين بلغ عدد المحتاجين في سوريا 13.5 مليون شخص، بينما بلغ عدد النازحين العراقيين داخلياً أكثر من 3 ملايين شخص، في وقت يحتاج 82% من إجمالي سكان اليمن، البالغ عددهم 27 مليون شخص،
إلى مساعدات إنسانية عاجلة، ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين 5 ملايين شخص، وتشمل حالات اللجوء والنزوح أيضاً نحو 350 ألف لاجئ ليبي، و3.74 ملايين لاجىء ونازح داخلي في السودان.
وتمثّل الزيادة في إجمالي أعداد اللاجئين خلال العام الماضي أعلى نسبة سُجّلت عالمياً منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولهذا تعتبر المساعدات الخيرية والإنسانية حاجة ملحّة، وهنا تكمن أهمية إطلاق "جائزة الشارقة الدولية لمناصرة ودعم اللاجئين".
"القلب الكبير".. إغاثة مستمرة
في ظل هذه المعاناة البشرية الهائلة، لم تكن شارقة الخير غائبة عن المشهد، فاتخذت بتوجيهات مباشرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، موقفاً واضحاً يقضي بسرعة التحرك لإغاثة اللاجئين ومساندتهم والوقوف إلى جانبهم في محنتهم.
ومن وحي هذه الرؤية الرشيدة، بادرت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في يونيو 2013 بإطلاق حملة "القلب الكبير" لإغاثة وتقديم يد العون والرعاية إلى مئات الآلاف من الأطفال اللاجئين السوريين في دول الشتات، لتأمين حقوقهم في المأوى، والغذاء، والرعاية الطبية، والعلاج النفسي، والتعليم.
ومع ازدياد أعباء اللجوء، جاء قرار سموها بتحويل الحملة إلى مؤسسة، فانطلقت "مؤسسة القلب الكبير" رسمياً في يونيو 2015، لمضاعفة الجهود المبذولة تجاه اللاجئين والمحتاجين في المنطقة والعالم، وتوسيع نطاق اهتمام المؤسسة الإغاثي للوصول إلى فئات أوسع من المحتاجين واللاجئين، لاسيما الأطفال من بينهم، في مناطق كثيرة من العالم.
نجحت مؤسسة القلب الكبير، في أقل من عامين من إطلاقها بإحداث تغيير نحو الأفضل في حياة مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من مناطق النزاعات في آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث قدمت لهم دعماً
إغاثياً متكاملاً، عبر العديد من المبادرات المتخصصة التي استهدفت التركيز على حاجة أو أكثر من احتياجات اللاجئين الأساسية وغطتها بالشكل الأمثل.
جائزة الشارقة الدولية لدعم اللاجئين
وضمن ارتقائها المستمر بمنظومة العمل الإغاثي الخيري، وتفردها بأساليب العطاء المبتكرة، وتحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أطلقت سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، في يناير الماضي، وتماشياً مع عام الخير، جائزة الشارقة الدولية لمناصرة ودعم اللاجئين في قارة آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتهدف الجائزة، التي تشرف عليها مؤسسة القلب الكبير، المؤسسة الإنسانية العالمية المعنية بمساعدة اللاجئين والمحتاجين، بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى دعم الجهود والمبادرات المتميزة في مجال العمل الإنساني، والرامية إلى تحسين حياة الملايين من الأفراد والأسر من اللاجئين والمهجرين حول العالم.
وتأتي الجائزة في إطار التزام المؤسسة الراسخ بوضع حد لمعاناة اللاجئين والنازحين، وتحفيز الأفراد والمؤسسات على المساهمة في تحسين حياة هاتين الفئتين اللتين شردتهما الحروب والمآسي، استمراراً لنهج الخير والعطاء الذي قامت عليه وتتبناه دولة الإمارات العربية المتحدة، وتأكيداً على الدور الذي تلعبه إمارة الشارقة في دعم المبادرات الإنسانية على المستويين الإقليمي والدولي.
وتسعى جائزة الشارقة الدولية لمناصرة ودعم اللاجئين إلى تكريم أصحاب المشاريع والمبادرات الفاعلة على الأرض، التي أسهمت بشكل حقيقي في توفير احتياجات اللاجئين والنازحين الغذائية والصحية والتعليمية والاجتماعية، وغرست في نفوسهم الثقة والأمل بالمستقبل؛ ويحصل الفائز على مكافآة مالية بقيمة 100 ألف دولار أمريكي، إضافة إلى درع وشهادة تقدير، وسيجري تكريمه في حفل خاص في إمارة الشارقة.
قيم نبيلة.. وجهود كبيرة
تسهم جائزة الشارقة الدولية لمناصرة ودعم اللاجئين في تسليط الضوء على الجهود الكبيرة المبذولة في سبيل التخفيف من صعوبات الحياة التي يواجهها أناس وجدوا أنفسهم ضحية ظروف إنسانية بالغة الدقة، لم يختاروا بمحض إرادتهم أن يكونوا جزءاً منها.. فالجائزة تكرّم العطاء والخير، والمثابرة في مواجهة المحن وتخطي الصعاب.
وتشكل الجائزة دعماً كبيراً لجهود العاملين في العمل الإغاثي والإنساني، وتقديراً فريداً للتميّز الذي بذلوه للتخفيف من معاناة اللاجئين، لاسيما النساء اللاجئات والأطفال اللاجئين، فهناك العديد من المبادرات الجديرة بالثناء، التي وفرت فرص التشغيل وعززت دخل العائلات اللاجئة، وخاصة في إطار المشاريع الصغيرة الإنتاجية، وأيضاً المبادرات التي اهتمت بتعليم الأطفال، وكسوتهم، وتوفير الرعاية الطبية لهم، وتدريبهم على مواجهة التحديات الناجمة عن محنة اللجوء.
جائزة الشارقة الدولية لمناصرة ودعم اللاجئين، هي نبراس جديد ترفعه الإمارة.. تضيء به ظلمة اللجوء، وتنير به الدرب لمزيد من العطاء والبذل.. تستمد الشارقة مداد نبراسها هذا من رؤية قيادتها الرشيدة، التي جعلت من تنمية الإنسان هدفاً وغاية رئيسة، من دون النظر أو الالتفات إلى دين أو عرق أو هُوية.