في إنجازٍ طبي فريدٍ من نوعه لدولة الإمارات العربية المتحدة، أُجريت أول جراحة ربط الجسم الفقري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنجاح في أحد مستشفيات دبي، حيث أُجريت جراحة طفيفة التوغل الأسبوع الماضي على فتاة أردنية تبلغ من العمر 13 عامًا حيث كانت تعاني من جنف مراهقين مجهول السبب في مستشفى برجيل بإمارة دبي.
لاحظ والدا سلمى انحناء في عمودها الفقري لأول مرة في أبريل 2022، حيث صُدموا عندما شخص الأطباء حالتها بالجنف، وهي حالة يوجد فيها انحناء جانبي غير طبيعي للعمود الفقري، حيث أن الجنف يمكن أن يتطور في سن الرضاعة أو الطفولة المبكرة، إلا أن العمر الأساسي لظهور الجنف يكون بين 10 إلى 15 سنة، ولا يختلف ظهوره في الذكر عن الأنثى.
ورغم أن الجنف يصيب من 2 إلى 3 في المائة من السكان، فإن معظم الحالات تعتبر طفيفة ولا تتطلب تدخلًا جراحيًا، ولكن إذا تُرك دون علاج، فيمكن أن يتطور من الجنف المعتدل إلى الشديد، ولكن الجراحة التصحيحية تُعَد ضرورية في حالاتٍ مثل سلمى، حيث يكون لدى المرضى منحنيات كبيرة.
وبعد استشارة العديد من الأطباء في الإمارات العربية المتحدة، تواصل والدا سلمى مع الدكتور فراس حسبان، استشاري جراحة العظام في مستشفى برجيل للتوصل إلى حلٍ دائم بشأن حالتها، ووفقًا للدكتور حسبان، عندما جاءت سلمى، وهي طالبة في الصف الثالث المتوسط، كان لديها منحنى صدري قطني بمقدار 65 درجة، وبسبب حالتها، عانت سلمى من تشوه في الظهر مع قصر في الجذع وظهر أحدب سفلي وحوض غير مستوي مع وجود آلام في منطقة الظهر.
قال الدكتور حسبان، "يُعد جنف المراهقين مجهول السبب الأكثر شيوعًا، وعادًة ما يُشخّص خلال فترة البلوغ، حيث يمكن علاج الجنف لمثل هؤلاء المرضى بواحدٍ من الخيارات الثلاثة وهي المتابعة أو التقويم أو التدخل الجراحي، وعلى الرغم من أن التقويم يُعد خيارًا للمرضى الذين يعانون من أنواع الجنف الطفيفة، إلا أن حالة سلمى تحتاج إلى التدخل الجراحي لتصحيح التشوه"، حيث أخبر الدكتور حسبان والدا سلمى عن علاج جديد للجنف بجراحة طفيفة التوغل.
يُعد الخيار التقليدي لتصحيح الجنف هو جراحة دمج الفقرات، حيث يجري ربط فقرتين أو أكثر بشكل دائم في هيكل واحد باستخدام المسامير والقضبان، وعلى الرغم من أن جراحة دمج الفقرات تُعد الأكثر شيوعًا لعلاج الجنف، إلا أنها تحد من حركة العمود الفقري ونموه اللاحق، وفي عام 2019، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على علاج جديد للجنف يسمى ربط الجسم الفقري، وهو تقنية طفيفة التوغل تسمح بالنمو المستمر دون اندماج للفقرات مع الحفاظ على حركة ومرونة العمود الفقري.
الجراحة طفيفة التوغل
يتيح العلاج الجديد تصحيح العمود الفقري بدون اندماج للفقرات، مما يسمح للمريض بالتمتع بالحركة والمرونة للعمود الفقري ونموه. وتتميز هذه الجراحة ببعض المزايا الأخرى من إحداث شقوق سرية لا ترى ورضوخ ومضاعفات قليلة وإمكانية شفاء بشكلٍ أسرع، ونظرًا لأن سلمى لم تصل إلى مرحلة النضج الكامل للهيكل العظمي بعد، فقد كانت المرشحة المثالية لهذه الجراحة.
وأوضح الدكتور حسبان في شرحه لهذه الجراحة "على عكس جراحات العمود الفقري التي تتضمن قطع الظهر ومعالجة الحبل الشوكي وجذور الأعصاب، ففي هذه الجراحة نقوم بعمل شقوق سرية في البطن من خلال المنظار، حيث يُوَصّل حبل مرن يدعى (الرباط) بالعمود الفقري خارج المنحنى من خلال مسامير العظام، ثم يُشَّد الرباط لتقويم العمود الفقري.
يضغط الحبل على الجزء الخارجي، مما يسمح للجزء الداخلي من منحنى العمود الفقري بالنمو، ونظرًا لأن جراحة ربط الجسم الفقري هي جراحة طفيفة التوغل، فقد تشعر ببعض الرضوخ للأنسجة الدقيقة في ظهرك، ونتيجًة لذلك، فلا يفقد المريض كميات كبيرة من الدم أو الشعور بآلام شديدة بعد الجراحة ويتعافى بشكل أسرع مقارنًة بجراحة دمج الفقرات ".
قال الدكتور حسبان "أظهر انحناء العمود الفقري لسلمى تحسنًا ملحوظًا، وسيستمر الانحناء في التحسن وسيوجّه الرباط نمو العمود الفقري مع نمو الجسم".
وأضاف " تحسنت حالة سلمى بشكلٍ جيد بعد الجراحةـ حيث يمكن أن تعود إلى دراستها بعد أسبوعين فقط، وأن تمارس كل أنشطتها دون أي قيود بعد أربعة أسابيع، بل ويمكن حتى أن تمارس الرياضة".
كان والدا سلمى مسروران للغاية بنجاح العملية، حيث قالوا " لقد استطاعت المشي من اليوم التالي للعملية. نحن مسروران أن ابنتنا كان مؤهلة لهذه العملية. ونتطلع إلى أن نرى ابنتنا تحمل المضرب مرة أخرى وتلعب التنس. نشكر الطاقم الطبي تحت رعاية الدكتور نيزك رؤوف والإداري في مستشفى برجيل بدبي على حسن الرعاية، ونحن ممتنون للدكتور حسبان لإتاحته هذه الجراحة في منطقتنا".
الجراحة الأولى في المنطقة
تُجرى جراحة ربط الجسم الفقري في عدد قليل من البلدان، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، وتُعَد هذه المرة الأولى التي يجرى فيها هذه الجراحة في دول مجلس التعاون الخليجي وشمال افريقيا.
ليس كل مريض لديه جنف مراهقين مجهول السبب مؤهلًا لإجراء هذه الجراحة، حيث أنها تكون مناسبة للأطفال والمراهقين الذين لا يزالون في طور النمو، من سن 9 سنوات فما فوق، كما تكون الجراحة مناسبة وأكثر فاعلية للمرضى الذين يعانون من محنى بمقدار يتراوح بين 45 إلى 65 درجة.
وعلى الرغم من كون هذه الجراحة علاجًا جديدًا، إلا أن تكلفتها تعتبر مماثلة لعلاجات الجنف الأخرى.
قال الدكتور شاجر غفار، الرئيس التنفيذي لشركة ڤي.بي.إس للرعاية الطبية (منطقة دبي وشمال الإمارات): " إنه لشرف عظيم أن أجري أول جراحة لربط الجسم الفقري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مستشفى برجيل بدبي، حيث أن هذه الجراحة هي شهادة على القدرات الطبية المتقدمة لدولة الإمارات العربية المتحدة، كما أن الأمر استغرق شهورًا للحصول على الموافقات وتجهيز الأدوات للجراحة.
نحن نخطط لتوسيع مرافق علاج الجنف لمساعدة المرضى المصابين لعيش حياة أفضل والاستمتاع بها، ونأمل أن يلهم نجاحها الناس من جميع أنحاء الشرق الأوسط للقدوم إلى الإمارات وإجرائها".