لم يتوقف مسلسل إهدار المال العام رغم كل الإجراءات والتصريحات الحكومية المتلاحقة التى تعد لمواجهة الفساد بعد الثورة ، وأصبح ما يجنيه المواطن من هذه التصريحات مجرد تطمينات لا طائل منها ، وبالنظر إلى وضع إحدى الشركات العامة وهى "المصرية القابضة للصوامع والتخزين " وهى شركة خاضعة لإشراف وزارة التموين والتجارة الداخلية سنجد أنها مثال صارخ لإهدار المال العام وذلك بسبب الفشل الإدارى .
القضية توضحها مستندات حصل عليها "الخبر الاقتصادى" ويؤكدها العاملون بالشركة الذين نظموا إضراباً اليوم ، وتفيد المستندات أن الحكومة قررت منذ سنوات إنشاء 50 صومعة لتخزين القمح بشكل آمن ، وقد تم حتى الآن إنشاء 25 صومعة منها ، وتبلغ الطاقة الاستيعابية لكل صومعة نحو 30 ألف طن فى الدورة بمعدل 180 ألف طن سنوياً وهذا الرقم هو الحد الأدنى للطاقة الاستيعابية والتى من خلالها تغطى الشركة نفقاتها وتحقق عائداً مقبولاً ، إلا أن نسبة تشغيل الصوامع الفعلية لم تصل سوى 30% من الطاقة الاستيعابية وهو ما جعل الخسائر تلاحق الشركة.
الموظفون أكدوا أن الطاقة الاستيعابية للصوامع تصل إلى 4 ملايين و500 ألف طن تقريبا فى السنة ، ومن ثم فإن عدد الصوامع الموجود حالياً يكفى لتخزين الإنتاج المحلى من القمح كاملاً، إلا أن الدولة تمتلك شركة أخرى وهى "العامة للصوامع" وهى تتبع الشركة القابضة للسلع الغذائية ، ورئيس هذه الشركة عضو مجلس إدارة فى الشركة القابضة للصوامع ، وتقوم العامة للصوامع هى الأخرى بتخزين الأقماح وقد تم رفع حصة "العامة للصوامع" من الأقماح على حساب "القابضة للصوامع" وهو ما أدى إلى إهدار الطاقة الاستيعابية لصوامع الشركة القابضة والتى تكلف إقامتها ملايين الجنيهات ، كان بينها قروض .
وأكد الموظفون أن إنشاء صوامع حديثة لتخزين القمح تتبع الشركة القابضة للصوامع كان للتخلص من مشكلات التخزين فى الشون الترابية والإسفلتية في العراء والتى كانت تتسبب فى فاقد وتالف في المخزون يصل لنسبة 10% على الأقل ، وزيادة النفقات والتي تتمثل في أسعار الخيش والأجولة والعيوب التي تنتج من التداول اليدوي ، واختلاط الحبوب بالأتربة مما ينتج عنه الإصابة بالفطريات ، إلا أن الحكومة عادت لتستخدم الشون الترابية فى الشركة العامة للصوامع ، بدلاً من استغلال الصوامع الحديثة ، وهو ما يعنى إهدار المال العام وعدم النظر إلى الصالح العام للدولة .
وتساءل موظفو الشركة القابضة ، كيف تتمسك الحكومة حالياً بإتمام المشروع القومى لتخزين القمح من خلال إنشاء 50 صومعة حديثة فى الوقت الذى تهدر فيه الطاقة الاستيعابية لعدد 25 صومعة تم انشائها بالفعل ، موضحين أن المشكلة لا تكمن فى الشركة المنافسة لكنها تكمن فى الخلل الادارى والتخطيط الحكومى المتخبط ، إضافة إلى عدم قدرة إدارة الشركة على إداراتها بالشكل الذى يضمن تحقيق الأرباح ، والوصول بمعدلات التشغيل إلى مستوى مجدٍ .
وذكر موظفو الشركة فى مذكرة أرسلوا نسخة منها إلى مجلس الوزراء إن ما تمر به الشركة الآن من أزمات تهدد مستقبلها و مستقبل العاملين بها قائلين المشكلة الكبيرة تكمن فى قيادات الشركة و بدلا من تحمل مسئوليتهم في هذا الظرف الحرج ، اتخذوا إجراءات من شأنها انهيار الشركة حيث عملوا على سحب كل المطاحن المربوطة على الشركة ضاربين بمستقبل الشركة عرض الحائط .
وأوضحت مذكرة الموظفين أن كافة الصوامع التابعة للشركة تؤكد استعدادها للعمل بكامل طاقتها و على مدار الأربع و العشرين ساعة لاستقبال و صرف أي كميات من الأقماح ، ودعا الموظفون قيادات الشركة إلى تنحية خلافاتهم الشخصية جانبا و تحمل المسئولية القانونية نحو إصلاح ما أفسدوه في الأيام السابقة ، و ذلك بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع ممثلي العاملين ، مع العمل على إلغاء قرار سحب المطاحن المربوطة على الشركة و ذلك خلال أربع و عشرين ساعة من الآن ، و إذا فشلوا في ذلك فأولى بهم أن يستقيلوا الآن مفسحين المجال لغيرهم من الدماء و العقول الجديدة القادرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب .
|