“الصغيرة والمتوسطة” تحوّل فى التمويل لزيادة الناتج ومواجهة عجز الموازنة
22 مليار جنيه ودائع جديدة من يوليو إلى فبراير الماضي
340 مليار جنيه إجمالى ميزانية الأهلى فى العام المالى الحالى
توقعت قبل بداية هذه المُقابلة التى جرت فى ظروف بالغة الدقة يُواجهها الاقتصاد الوطنى بين اليأس والرجاء فى محاولة لطرد شبح الإفلاس، أن أجد هشام عكاشة، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى، بعيدًا عن هدوئه المُعتاد، خاصة أنه يُباشر جانبًا من مهام ومسئوليات رئيس أكبر الكيانات المصرفية فى السوق والذراع التمويلية الطولى للاقتصاد، ولكنه فاجأنى بثباتٍ أكبر، مؤكدًا لى أن فرص الإنقاذ مازالت قائمة وأن الجهاز المصرفى سيكون ركيزة الإصلاح كما حدث فى مطلع العقد الأخير إذا تحقق الاستقرار لأن منصة الانطلاق التى يستعد منها الجهاز المصرفى لمُغادرة الحالة الراهنة أحسن إعدادها ويجرى تطويرها دوريًا رغم الصعوبات، وخدمة تحويل الأموال عبر ماكينات الصراف الآلى التى أطلقها “الأهلي” الشهر الحالى خير مثال على ذلك.
يثق “عكاشة” فى قدرة أبناء هذا الجهاز وقياداته على خوض هذا التحدّى ويعتبره فى “الأهلي” التزامًا وطنيًا مُتواصلاً بلا انقطاع من أجل النمو والتوسع الذى يزرع الأمل فى تحسّن بيئة الأعمال وانتعاش عرض فرص العمل مُجددًا.. هذا هو “عكاشة”.. وهكذا كان منذ المقابلة الأولى التى أجريناها معه فى العدد الثانى من المجلة “يوليو 2010” عندما تحدّث عن آفاق التمويل الواعدة.. وإلى الآن فى السطور التالية يبدو مُصرًا على بث هذه الثقة.
· مؤشرات إيجابية
- ما حقيقة تطوّر المؤشرات المالية للبنك الأهلى فى ظل الوضع الاقتصادى غير المُواتى وتوالى خفض التقييمات الائتمانية؟
هناك العديد من المؤشرات الإيجابية التى لا يمكنها تجميل الواقع لأنها تصفه دون تدخل أو توجيه واحد هذه المؤشرات التطوّر الذى شهدته ميزانية البنك فعندما يرتفع إجمالى ميزانية البنك من 320 مليار جنيه إلى 430 مليار جنيه، فإن ذلك ما كان ليحدث لو لم يكن البنك يتطور وينمو حجم أعماله داخل السوق وانعكس ذلك فى نمو تدفق الودائع إلى البنك خلال الفترة من نهاية يونيو 2012 وحتى نهاية فبراير 2013 لترتفع من 278 مليار جنيه إلى 300 مليار جنيه، لم يكن نصيب الشهادة البلاتينية منها أكثر من 3 مليارات جنيه تدفقات جديدة ومثلها من أرصدة داخلية، بينما بلغت التدفقات من الأوعية الأخرى وحسابات التوفير نحو 19 مليار جنيه، الأمر الذى يعكس مقدار ثقة عُملاء البنك خلال هذه الفترة التى تظللها الشكوك حول حدوث الادخار بالعملة المحلية وهو ما تُكذّبه مؤشرات الإيداع داخل البنك الأهلي.
وهذا النمو فى الودائع يمثل الركيزة الأهم فى التوسع داخل السوق وزيادة حجم الأعمال ولهذا واكبه نمو فى أرصدة التسهيلات الائتمانية التى ارتفعت خلال ثمانية أشهر من بداية العام المالى 2012/2013 بواقع 8 مليارات جنيه، حيث كان إجمالى أرصدة التسهيلات قد بلغ 101 مليار جنيه فى نهاية العام المالى وبلغ فى نهاية فبراير الماضى نحو 109 مليارات جنيه وهو ما يؤكد حرص البنك على مواصلة دوره التمويلى داخل السوق.
واللافت فى حركة التسهيلات الائتمانية التى قدمها البنك خلال هذه الفترة ما طرأ على حجم التسهيلات التى تم توجيهها إلى قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى احدث البنك تحولاً فى منظومة العمل بها لتشهد طفرة فى إجمالى ما تم توجيهه إليها من ائتمان حيث بلغ رصيد محفظة قروض القطاع فى 30 يونيو الماضى نحو 6.5 مليار جنيه وزاد رصيد المحفظة خلال الأشهر الثمانية التالية نحو 3.2 مليار جنيه ما يعنى نمو التسهيلات بنحو 50% من إجمالى المحفظة فى أقل من عام ليبلغ رصيد المحفظة بعد عمليات السداد التى تمت نحو 8.5 مليار جنيه.
هذا كله يؤكد أن البنك الأهلى مُلتزم بدوره فى مساندة الاقتصاد الوطنى ومُواصلة النمو، لأنه لا يمكن أن يتخلى عن هذا الدور الحاسم الذى يؤثر فى أوجه النشاط الاقتصادى المختلفة.
· نقاط الدفاع الحصينة
- إلى أى حد يمكن أن يصمد الجهاز المصرفى فى مواجهة التحديات التى يتعرّض لها الاقتصاد الوطني؟ وهل أنت مُطمئن للتطورات الحالية؟
حتى أستطيع الإجابة عن هذا السؤال ينبغى أن أبدأ من سؤال آخر هو:إلى أى حد يثق المواطن فى هذا الجهاز؟ هنالك سألاحظ على الفور أن هذا الجهاز هو نقطة الدفاع الحصينة التى يراهن عليها هذا المواطن ولهذا فهو يثق فى أن هذا الجهاز سيظل يمد الحكومة بما تحتاج إليه من استدانة داخلية فى ذات الوقت الذى يواصل فيه تقديم الائتمان للمشروعات الكبرى وكذلك الصغيرة والمتوسطة ولو لم يكن يثق فى هذا الدور لما قدم لهذا الجهاز أكثر من 1.09 تريليون جنيه تمثل إجمالى الودائع التى فى حوزته.
هذا الجهاز أيضا هو إحدى المؤسسات القليلة التى تحظى بأعلى قدر حاليًا من الاستقرار داخل الدولة وبالتالى هذا يزيد من معدلات كفاءة إدارة الأعمال داخله وإذا ما تحقق الاستقرار السياسى للدولة، فإن البنوك قادرة على رفع معدلات نمو النشاط الاقتصادى، وما يبرهن على ذلك قدرتها، رغم الظروف الراهنة للسوق، على تحقيق معدلات ربحية مقبولة زادت على مثيلاتها التى تحققت فى العام الماضى كما أن نسب التعثر داخل الجهاز المصرفى تراجعت رغم توقف العديد من المصانع، وهذا يعنى أن فرص النجاة ومواجهة التحديات مازالت قائمة ويمكن للاقتصاد أن يستعيد عافيته.
ومن جانبنا نراهن على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ونركز فى خططنا خلال الفترة على محاولة دمج هذه المشروعات فى الاقتصاد الرسمى، خاصة أنها سوف تمثل طفرة فى الناتج المحلى متى تحقق الدمج، ومن سيقوم بذلك ستكون البنوك التى تتمتع من خلال قنوات التمويل لديها على إحداث هذا الأثر.
ولهذا أعتقد أن الجهاز المصرفى هو نقطة الدفاع الحصينة داخل منظومة النشاط الاقتصادى وإذا كان ثمة بداية للانتعاش فإنها بالقطع تمر عبر القنوات المصرفية وبمساهمة فعّالة من جانبها، وبالرغم من أنه لا يوجد من يستطيع الزعم بأنه مُطمئن للتطورات الحالية فإننى مازلت متمسكًا باعتقادى أن الفرصة مازالت باقية.
· نقلة الاقتصاد غير الرسمي
- هل فى وسع المشروعات الصغيرة والمتوسطة -فى اعتقادك- تحقيق النقلة النوعية التى يحتاج إليها الاقتصاد فى هذه المرحلة؟
قد لا تتخيل أن هذه الوحدات الصغيرة والمتوسطة هى الخلايا الأساسية التى يعتمد عليها الاقتصاد الوطنى وأنها تمثل نحو 80% من النشاط الاقتصادى فى السوق بل والأهم أنها تمثل القوام الأساسى والكامل للاقتصاد غير الرسمى، وأن هذا الأخير يُمثل حجم ناتجه ما بين 50 و70% من ناتج الاقتصاد الرسمى، وهو ما يعنى أن إدماج النصيب الاكبر من الاقتصاد "غير الرسمى" داخل "الرسمى" سوف يمثل بالفعل نقلة نوعية فى مؤشرات الاقتصاد الكلي.
فإذا كان الاقتصاد الرسمى يعانى من عدم كفاية الناتج الإجمالى المحلى لمواكبة معدلات النمو فى عجز الموازنة العامة ما ينتج عنه صعوبة تدبير الموارد لسد هذا العجز، فإن الدمج المرشح لمشروعات الاقتصاد غير الرسمى سيكون أداة بالغة الأهمية فى تغيير مُعطيات هذا الوضع لأنه سوف يعمل على زيادة الناتج الإجمالى المحلى بقيم كبيرة ستتضاءل معها نسب العجز فى الموازنة العامة الى الناتج المحلى، مما يعمل على تحسين بيئة الأعمال، فإذا كان العجز الى الناتج يتجاوز 12% حاليًا فإنه من المفترض أن يهبط بضعة نقاط مئوية ليصبح حول المعدلات العالمية للاقتصادات القوية وهذا ما ينبغى أن تعمل عليه الحكومة ليكون مشروعها الأساسى لإحداث هذه النقلة عبر الاهتمام بدمج وتنمية المشروعات الصغيرة داخل الاقتصاد الرسمي.
وأحد أهم أدوات الدمج هى التمويل المصرفى، لهذا فى البنك الأهلى وبحكم دورنا الوطنى، وضعنا ذلك فى صميم خططنا، فبخلاف زيادة حصة محفظة قروض القطاع، لجأ البنك إلى تشجيع إقراض هذه المشروعات عن طريق قروض يُعفى المقترض الصغير من سداد 50% منها فى حال توفيق أوضاعه وإثبات نشاطه وتسجيله وهو ما أسفر عن تحول عدد كبير من المشروعات التى تعاملت مع البنك عبر هذه الآلية إلى الاقتصاد الرسمى وهى إحدى طرق دمج تلك المشروعات، لهذا قررنا أن يكون اهتمامنا استثنائيًا بالمشروعات الصغيرة فى الفترة القادمة سواء من حيث كم التمويل ونوعه.
· الخروج من النفق مُمكن
- إذا كانت البنوك، والبنك الأهلى بصفة خاصة، يُمكنها القيام بهذه المُهمة.. كيف يمكن تصوّر مُساهمتها فى مُساندة حل مشكلات الاقتصاد الهيكلية وتصحيح الاختلالات التى تعرّض لها مؤخرًا؟
تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإدماجها فى الاقتصاد الرسمى ليس هو بالقطع كل ما يمكن للبنوك أن تقدمه لإنقاذ الاقتصاد الوطني، فهى حتى الآن المُموّل الأكبر للانفاق الحكومى عن طريق عمليات الشراء المستمرة والمتصاعدة لأذون الخزانة وسوف تستمر، لكن أثر هذا الدور ومدى فاعليته تتوقف على تحقيق الاستقرار الامنى والسياسى أولاً ثم إصلاح الاختلالات التى ظهرت مؤخرًا وتقاقمت آثارها، فلا يمكن ان أتوقع ثمارًا لجهود الإصلاح وعمليات التهريب للسلع الاستراتيجية مُستمرة على الحدود عبر الانفاق، فالدولة تتكلف مبالغ طائلة فى دعم السولار والدقيق، ثم يتم تهريب حصص كبيرة منها، الأمر الذى يفاقم من عجز الموازنة ويستدعى مزيدًا من الانفاق الحكومى فى غير موضعه كما أنه يُزيد من الضغط على الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى وهو وضع أشبه بالنزيف الذى يتعين وقفه على الفور.
دور البنوك ينضج إذا تحقق الاستقرار الأمنى والسياسى وتستطيع المساهمة فى حل الاختلالات الهيكلية للاقتصاد بمساندة الإنفاق العام والخاص على السواء، لأن هذا الدور هو الذى تترتب عليه زيادة الانتاج أيضًا، وهو ما تموّله كذلك البنوك التى لم تتخل عن هذا الدور وتواصل إعداد أدواتها فى هذه الظروف لخدمة هذا الهدف ولكن لابد من تحقيق الاستقرار أولاً.
· لا تراجع عن خطط التوسع الإقليمي
- ماذا عن خطط البنك للتوسّع الإقليمى ودخول أسواق جديدة؟ وهل أثرّت الأوضاع السياسية عليها؟
نحن أكثر إصرارًا على استكمال خطط التوسّع الإقليمى وفتح اسواق جديدة لان ذلك يدعم حجم اعمالنا ويُزيد من عائداتنا لأننا لا نقدم على دخول سوق جديدة ما لم تكن جدوى هذه الخطوة تستحق، وبالرغم من أن الأوضاع السياسية تفرض علينا مراجعة العديد من السياسات والخطط، فإن ذلك يرتبط بالسوق الداخلية أكثر منه بالأسواق الخارجية، ولدينا التزام بالبنوك والتوسع فى كافة الظروف، ولكننا نعدّل قليلا فى بعض النسب بما يحقق مصلحة البنك ولدينا تجربة جيدة للغاية فى السوق السودانية حيث تبلغ ميزانية البنك فى السودان نحو 300 مليون جنيه سودانى ولدينا تعاملات تجارية مموّلة بقيمة 60 مليون يورو، إضافة إلى عمليات تمويل داخلية فى السودان لصناعة الحديد وزراعة السمسم وقصب السكر.
كما أن خطّطنا للتواجد داخل السوق الليبية، مازالت قائمة رغم تحفظ السلطات المصرفية فى ليبيا على منح تراخيص مزاولة النشاط المصرفى فى الوقت الحالى إلا أن الفرصة مازالت سانحة إذا ما فكرنا أن يكون ذلك عبر تحالف مصرفى مع احد البنوك الليبية أو عبر أحد عروض الاستحواذ على واحدة منها.
· مُساندة الشركاء الاستراتيجيين
- ما موقف البنك من استمرار المُساندة للهيئة العامة للبترول وغيرها من الهيئات الاستراتيجية؟
لم نتخل عن مُساندة الشركاء الاستراتيجيين فى الفترة الماضية ولن يحدث ذلك لأننا نقدّر حجم اعتمادهم علينا ونحن بنك قطاع يلتزم بدعم ومساندة هذه الهيئات، ومازلنا البنك الرئيسى لهيئة البترول ونعمل على تسهيل تدفق التمويل اليها فى إطار القواعد المصرفية كما أننا نقوم بضمان الهيئة عندما تضمنها وزارة المالية ونساعد على تعزيز موقفها التفاوضى مع الأطراف الخارجية.
وما ينطبق على هيئة البترول ينطبق على الكهرباء وقطاعات النشاط الاستراتيجى الأخري، وما تواجهه حاليا من ارتباك يعود إلى ظروف عدم الاستقرار فى السوق بوجه عام.
|