أكد وزير الخارجية محمد كامل عمرو أن من أهم انعكاسات ثورة 25 يناير المجيدة هي إعادة التأكيد على الأولوية التي تستأثر بها القضايا الأفريقية في مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية المصرية.
وأشار عمرو في كلمته التي ألقاها مساء الإثنين بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، إلى أن مصر حرصت خلال الفترة الماضية على تعزيز التواصل مع أشقائها الأفارقة، وتكثيف الاتصالات والتنسيق بشأن كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك.
واوضح عمرو خلال الاحتفالية التي أقيمت بقصر محمد علي بالمنيل، أن منظمة الوحدة الأفريقية ـ الاتحاد الأفريقي، والتي كانت عبر العقود الماضية بمثابة القلب النابض لمسيرة العمل الأفريقي المشترك، والآلية الجامعة لجهودنا ومساعينا في سبيل تلبية تطلعات شعوبنا نحو الوحدة والحرية والازدهار. ومما يضيف إلى خصوصية هذا اللحظة، أن الاحتفال يجري هنا في القاهرة، التي كانت دوماً حاضنة للقضايا الأفريقية، ومنبراً للدفاع عن مصالح القارة، وداعماً رئيسياً لكافة المناضلين في سبيل حرية القارة الأفريقية وتقدمها.
وقال عمرو:"إذ ننظر اليوم إلى تلك المسيرة الحافلة من العمل الأفريقي الجماعي، وما أنجز خلالها، فلابد لنا أن نقدم تحية إجلال وتقدير للآباء المؤسسين لمنظمتنا العريقة، الذين آمنوا بالمستقبل وعملوا من أجله بصدق وإخلاص. وسيتذكر التاريخ دائماً الملحمة التي خاضتها الشعوب الأفريقية، والتضامن فيما بينها، للتخلص من وطأة الاستعمار ونيل استقلالها، واستعادة السيطرة على مقدراتها وثرواتها".
وأضاف عمرو أن مصر كانت دائما في القلب من هذه الملحمة منذ بدايتها، حيث سخرت كافة إمكاناتها لدعم قضية استقلال القارة، ووقفت بكل عزم، ومن خلال كل المحافل وعلى رأسها حركة عدم الانحياز، لتكوين رأي دولي عام داعم لشعوب القارة المتطلعة إلى الاستقلال، كما استضافت على أرضها حركات التحرر الأفريقي ودعمتها بكافة السبل، وانطلقت الإذاعات من القاهرة باللغات الأفريقية تدعو شعوب القارة للثورة والتحرر. كذلك شاركت مصر في مؤتمرات التضامن بين الشعوب الأفريقية، بدءاً من المؤتمر الأول في أكرا عام 1958، واستضافت القاهرة المؤتمر الثالث في عام 1961، وهي المؤتمرات التي بلورت روح التضامن بين الشعوب الأفريقية، وأفضت إلى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية. ولعل تولى مصر رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية ثلاثة مرات، واستضافتها ثلاثة قمم أفريقية كان آخرها عام 2008، دليلاً على التزام مصر بدعم المنظمة.
وقد حرصت مصر دائماً على المساهمة في تحقيق الأمن والسلم في مختلف أنحاء قارتنا الأفريقية، حيث تضع مصر – انطلاقاً من قناعتها بمبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية- كامل إمكاناتها لتطوير قدرات الاتحاد الأفريقي في إدارة وتسوية النزاعات، وتدعيم آليات التنمية وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاعات. كما لا يفوتني أن انتهز هذه المناسبة لأوجه التحية لجنودنا في بعثات حفظ السلام في أفريقيا، والذين يضربون لنا المثل في التضحية والفداء من أجل السلام.
كذلك فإن مصر تعتز دوماً بكونها إحدى الدول الخمس المؤسسة لمبادرة النيباد، باعتبارها الإطار الأفريقي الأشمل لتحقيق التنمية في القارة وفقاً لأهداف وأولويات أفريقية. وسوف تمضي مصر في دعم برامج ومشروعات النيباد في مختلف المجالات، خاصة المشروعات التي تتولى مصر مسئوليتها في إطار مبادرة تنمية البنية التحتية في أفريقيا، لإنشاء مجرى ملاحي نهري للربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وكذلك لاستكمال الجزء الخاص بالربط بين مصر والسودان في إطار محور التنمية القاهرة- كيب تاون، وصولاً لتحقيق كافة أهداف المبادرة بالقضاء على الفقر وتعزيز معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية لكافة شعوب القارة.
لقد كانت قضية التنمية البشرية في أفريقيا دوماً في مقدمة اهتمامات مصر، ولا يفوتني أن أنوه في هذا الإطار إلي الدور الذي يقوم به الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا من خلال المساهمة في إعداد وتأهيل الكوادر الأفريقية في مختلف المجالات بما يؤهلها للنهوض بـأعباء التنمية، حيث درب الصندوق منذ إنشائه ما يزيد عن 8000 متدرب من الكوادر الأفريقية، كما أوفدت مصر من خلال الصندوق ما يقرب من ثمانية آلاف خبير في مختلف المجالات لتقديم الخبرات المصرية المتميزة للعديد من الأشقاء في أفريقيا.
كما تحرص مصر على مواصلة دعمها لمسيرة التكامل الأفريقي، وفي هذا الإطار تأتي استضافة مصر للقمة المرتقبة للتكتلات الإقليمية الثلاثة، الكوميسا والسادك وتجمع شرق أفريقيا، لتحقيق التجانس بين سياساتها وبرامجها ، وبما يمثل خطوة هامة على صعيد تحقيق الاندماج الإقليمي وإقامة السوق الأفريقية المشتركة.
كما أكد وزير الخارجية أنه بالرغم من كل ما تحقق عبر مسيرة العمل الأفريقي المشترك، فإننا على وعى تام بأن التحديات التي تواجه شعوبنا اليوم لا تقل جسامة عن تلك التى واجهتها فجر استقلالها. ولعل مما يدعو إلى الثقة في قدرة القارة على تجاوز كافة هذه التحديات، أن القارة تستقبل الخمسينية الجديدة من عمر المنظمة والنسبة الأكبر من سكانها هم من الشباب الذين يمثلون أهم موارد القارة وثرواتها، كما تمكنت أغلب دولها من تحقيق معدلات تنمية تبلغ فى المتوسط 5% وتتجاوزها فى بعض الحالات، بالرغم من الاضطرابات التي شهدها الاقتصاد العالمي، مما جعل العالم الآن ينظر إليها على أنها القارة الصاعدة في مجال النمو الاقتصادي، بعد أن كانت تعتبر حالة ميئوساً منها اقتصادياً منذ أعوام قليلة.
|