مقال : اليوم نبدأ وليس غداً

 


يمر وطننا بمرحلة بالغة الدقة من تاريخه فهو في الوقت الذي يستقبل فيه للمرة الأولي منذ أكثر من نصف قرن نسائم الحرية وتباشير فجر جديد للديمقراطية يواجه مخاطر الاستنزاف والتشويش علي المستقبل, وهو أخطر ما يمكن أن تواجهه ثورة في دولة لها خصائص مصر سواءاً من حيث متطلبات النشاط الاقتصادي والنمو المستهدف في الناتج المحلي لمواجهة أعباء النمو السكاني وارتفاع معدلات الطلب علي فرص العمل.. أو من حيث طبيعة صنع القرار الدافع إلي خلق بيئة محفزة أو مانعة للنهوض الاقتصادي.. فإذا أضفنا إلي هذه الخصائص المعاناة الدائمة في التخصيص الأمثل للموارد, والذي يضطرنا باستمرار لأحد أمرين أو كلاهما معاً وهما دون ترتيب العمل علي جذب الاستثمارات الأجنبية, والاستدانة سواءاً من الداخل أو من الخارج, فإن استنزاف هذه الموارد أو إهدار الفرصة لاستغلالها الاستغلال الأمثل يؤدي بقوة لتشويش المستقبل, والتحرك الفعال إليه.



لهذا يحتاج الوطن إلي جهود كل المخلصين الشرفاء من أبنائه لإعادة البناء اليوم وليس غداً, لأن كل يوم يمضي يكلفنا خسائر لا حصر لها ولسنا في حاجة إلي تحملها, خاصة أنها تنال من الرصيد الاحتياطي لهذه الثورة التي تحتاج إلي الإنجازات الاقتصادية بمقدار حاجتها إلي الإنجازات السياسية, بل أن الأولي هي التي ستساند الإجراءات التصحيحية علي الصعيد السياسي لأن التكلفة تصبح أكثر ثقلاً في المجتمعات الأقل نمواً وتمنح الفرصة في بعض الأحيان للالتفاف علي تلك الإجراءات التصحيحية, وربما الثورة نفسها.



منذ لحظات قليلة قال لي أحد أبناء هذا الوطن المخلصين, وأحد أنجب صانعي القرار الفنى فيه, والذي يسهم فى رسم أدق ملامح تاريخ مصر في الفترة المقبلة, والمشهود له بالغيرة علي مصلحة الوطن, أن الفترة الحالية هي مرحلة فرز مهمة في تاريخ مصر قد تقود إلي صنع قوة اقتصادية إقليمية وعالمية معاصرة تضارع تركيا أو تزيد, وربما تقودها إلي الخروج لفترة من الوقت والدخول في متاهات مظلمة لا يعلم غير الله متي تخرج منها, ونبهني هذا المسئول المنشغل بالهم الوطني في هذه المرحلة إلي أن السوق المحلية التي تعول كثيراً علي الاستثمار الأجنبي إلي جانب الإنفاق الاستثماري المحلي في عرض فرص العمل تخسر مع كل 1% فقدان من معدلات النمو نحو 700 ألف وظيفة وفرصة عمل, وأن التراجع من نحو 5.8% معدل نمو إلي نحو 3.5% خلال أقل من شهرين قد يتراجع إلي 1.5% الشهر المقبل إذا لم تهدأ وتيرة الاحتجاجات وتبدأ جهود البناء علي الفور, وأن هذه النسبة مرشحة لإنخفاض أكبر يصل إلي صفر% وربما معدل نمو سلبى إذا لم تطرأ أي مؤشرات إيجابية علي النشاط الاقتصادي.



ليست الصورة بهذا القدر من القتامة إذا استمرت حالة التصعيد المعطلة للنشاط الاقتصادي, فحسب, ولكنها تزداد لأن واحدة  من أهم مصادر النقد الأجنبي هي النشاط السياحي تعرضت لخسائر بلغت نحو 1.5 مليار دولار في شهر واحد وأن هذه الخسارة قابلة للتكرار إذا لم تتم المسارعة إلي عملية البناء.. هذا المسئول المخلص قال إن روح ثورة 25 يناير الإيجابية وحدها كفيلة بإخراجنا من هذا النفق المظلم, وإظهار أفضل ما في المصريين والذي أبهر العالم أجمع.



لهذا أوكد من هذا المنبر "اقتصاديون من أجل مصر" أن ساعة البناء دقت, وأن كل الجهود المخلصة لابد وأن تعد برامج عمل خلاقة للفترة المقبلة.



اليوم وليس غداً ينبغي أن يكون شعار البناء لأن مصر تحتاج أن تكون واحدة من أهم الأسواق الناشئة وإذا كانت قد اقتربت من ذلك في فترة الحكم السابق بكل مساوئه, كما يؤكد ذلك تقرير لمدرسة نورتون بجامعة بنسيلفينيا في الولايات المتحدة صدر قبل أيام من إندلاع ثورة 25 يناير, وأشار إلي إقتراب السوق المصرية من هذا الهدف ضمن مجموعة جديدة من الأسواق تعرف بأسواق "Civets", وهو اختصار للحروف الأولي من أسماء دول كولومبيا, وأندونيسيا, وفيتنام, ومصر, وتركيا, بالإضافة إلي جنوب أفريقيا, ولم يكن يقف حائلاً بين مصر وهذا التطور سوي غموض الوضع السياسي فهي الآن أكثر قدرة من أي وقت مضى علي إنجاز ذلك, بعد أن زالت جميع القيود التي كانت تعوق هذا التحول والفرصة الآن تبدو سانحة, ولا ينبغي أن نفوتها.. هذا ما تحتاجه الثورة فهي فعل نهوض سياسي وينبغي أن تكون كذلك فعل نهوض اقتصادي.



سيكون فعل "النهوض الاقتصادي" هذا والذي نتطلع إليه هو محور لمجموعة من المقالات القادمة.. أرجو التفاعل معها.. ولتعش ثورة مصر ذات المسئولية الاقتصادية.



جميع الحقوق محفوظة لموقع الخبر الاقتصادي