البنوك وتصنيع الرأسمالية الوطنية الجديدة

 


لم أذكي الجهاز المصرفي والبنوك للعب دور محوري وأساسي في وضع شعار "مصر أولاً".. موقع التنفيذ كما قلت في مقالات سابقة من فراغ, وإنما لأن هذه المرحلة من البناء تحتاج إلي أرض صلبة تنطلق منها المبادرة ويكون في مقدورها أن تقطع مع النظام السابق بكل تركته الثقيلة من الفساد, ويمكن لهذا الجهاز والبنوك القيام بهذا الدور, وإذا كان لقائل أن يقول: وهل كان هذا الجهاز وأدواته استثناءاً من النظام السابق؟! فإن الإجابة بالقطع لا, علي أن الأهم من ذلك هو إلي أي حد كان إنغماسها في ممارسات ذلك النظام؟ وهل كان ذلك متعلقاً بالقواعد التي سارت عليها أم بالإكراهات التي عطلت تلك القواعد؟ لأني أعتقد أن الدور الوظيفي للجهاز والبنوك شيء, وإكراهات النظام السابق التي مورست عليه شيئاً آخر.



وظيفة البنوك والجهاز المصرفي هي وظيفة تكنوقراطية فنية في الأساس قوامها إتاحة التمويل بكل تطبيقاته التي يعرفها العمل المصرفي من إقراض وإيداع وفتح اعتمادات, وتمويل مشروعات, وخلافه, وهو دور لا يفسد طالما وجدت خلفه رقابة قوية وفعالة, وهو ما كان البنك المركزي يعمل علي تحقيقه بصفة مباشرة استطاعت رغم إكراهات الفساد أن تحمي البنوك من الهزات الشديدة التي تسببت بها الأزمة المالية العالمية في 2008, وهو ما يعني أن الدور الوظيفي في حد ذاته سليم, ولا يعني هذا إعفاء أي من مسئوليه عن أي خطأ وقع طالما وجدت إدانة له.. لأن هناك إجماع وطني علي أنه لا تَستُر علي فساد بعد الآن.. ويبقي في هذا الإطار أن الدور الوظيفي في ظل رقابة فنية صارمة من جانب "المركزي", ورقابة مجتمعية عنيفة لمنظمات المجتمع المدني يمكن أن يقدم مهمة حيوية بالغة الأهمية في هذه المرحلة ألا وهي تصنيع الرأسمالية الوطنية الجديدة.



أشرت إلي ذلك سابقاً, ولكن أفصل الآن ما ينبغي أن تكون عليه عملية التصنيع تلك, قبل شرح طبيعة الدور الوظيفي الذي نطالب به البنوك, كي يتحقق شعار "مصر أولاً" علي أرض الواقع ينبغي أن نصف طبيعة سوق التمويل في هذه المرحلة, والذي هو عصب الحراك الاقتصادي المستهدف, هذه السوق تشهد حالة من التخوف الرهيب تسود طرفيها: المانح والمتلقي لأن الجميع في تردد ويخشي من القيام بالخطوة الأولي, ويكاد نشاط البنوك يقتصر علي عمليات التحويل والسحب والإيداع إلي جانب نشاط محدود في فتح الاعتمادات, وهو وضع لا يقدم أي وعود بالحياة لاقتصاد فتي تتوقع مؤسسات دولية كالبنك والصندوق الدوليين إذا ما بدأ استعادة نشاطه أن يتقدم بمعدلات نمو هائلة تفوق ما سبق تحقيق بنسب كبيرة.



المطلوب هو إزالة حالة التخوف الراهنة, وعودة البنوك إلي منح الائتمان, والتمويل من جهة وفي المقابل تقدم نفر من رجال الأعمال لطلب الائتمان والتمويل من جهة أخري حتي لا تطول فترة الريبة والشك, ويخسر الاقتصاد فترة زمنية لا ينبغي له أن يخسرها في مصر الثورة.



تستطيع البنوك أن تقدم الكثير فهي مخزن السيولة الهائل الذي يوفر التمويل لمبادرات الأعمال باتجاه مشروعات الاقتصاد الحقيقي الذي يستهدف المشروعات الكبيرة كثيفة العمالة, وهي تحتاج إلي مناخ هادئ ومتحفز للنمو سواءاً كانت بنوك عامة أو خاصة يملكها مصريون أو أجانب حتي تتخلي عن مخاوفها وتبدأ فتح خزائنها.. ولا يقل أهمية عن ذلك, وبالأحري شرطاً أساسيًا له وجود قوي طلب علي هذا التمويل يمكن الثقة بها, وفي هذه الجزئية تحديداً يقع علي عاتق البنوك حث رجال الأعمال الذي يؤكد تاريخهم الائتماني وطنيتهم وعدم إنزلاقهم إلي مهاوي الفساد علي المبادرة لطلب الائتمان والحصول علي تمويل لإقامة مشروعات جديدة, وعلي رجال الأعمال الذين يتحقق فيهم هذا الشرط الظهور في الصورة وتبني مشروعات جديدة حتي تشرع البنوك في تمويلهم, وإذا تم كسر حاجز الخوف فإن البنوك نفسها سوف تكون مؤهلة لترشيح نخبة جديدة منهم للسوق كما فعلت في عمليات الائتمان الشخصي وقروض الأفراد التي تمنح بعد تحري ووضع شروط عامة ينبغي تحقيقها لتدفق الائتمان.



ربما يحتاج الأمر إلي مبادرة من البنوك يتم الإعلان عنها في السوق صراحة, ولكن حتي يحين توقيت هذه المبادرة عليها أن تتأهب لذلك, وعلي جميع القوي الوطنية التي ينبغي أن تراقب تلك العملية أن تمارس جميع الضغوط الحميدة لتشجيع هذه المبادرة.. وتفادي إهدار الوقت.. وسوف نوالي إيضاح معالم ذلك التفاعل في مقالات لاحقة ضمن خريطة الطريق التي وعدنا بها حتي يتحقق شعار "مصر أولاً" بعزيمة كل المصريين الشرفاء ولصالح أبنائها دون تمييز



جميع الحقوق محفوظة لموقع الخبر الاقتصادي