نشرت الدكتورة منال عمر، صباح اليوم عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تحليلاً عن موقف البرادعي الأخير.
والجدير بالذكر ان منال عمر هي أستاذة علم نفس تردد اسمها كثيرًا في تحليلات عالية الدقة، خاصة بالجماعة الإرهابية وكانت من اول من تنبأوا بزوال نظام الإخوان.. وإليكم وجهة نظر أوتحليل الدكتورة منال عمر كما نشرته:
(1) حكمك على تصرفات أي انسان في الدنيا حصيلة من حكمك على مكون داخلي نقدر نقول عنها انها خليط من أفكاره ومشاعره وخبراته وتاريخه ودارسته ونيته عموما، ومكون خارجي هي شكل تصرفاته الظاهر وتاريخه المعلوم وردود أفعاله قدام الناس، والناس حكمها على الأمور غالبًا مفروض يكون منصبًا على المكون الخارجي لأن النوايا محلها القلب، والقلب بيد الله وحده، ممكن النقطة دي تكون بداية جيدة لمناقشة موقف البرادعي.
(2) يبقي حضرتك لما تدرس موقف البرادعي في الأزمة الأخيرة ما تشغلش بالك بنواياه إطلاقًا.. ما تعملش زي معاتيه الإخوان اللي بيقولوا عليه في السراء والضراء انه خاين، وعميل نتيجة لرعب قياداتهم الشخصي من مواقفه النضيفة وشعبيتها (لاحظ أنا بأقول إن مواقفه هي اللي نضيفه مش هو).. ولازم تتعلم تفرق بين نضافة المواقف اللي من السهل الحكم عليها ونضافة الشخص اللي مش من السهل الحكم عليها إلا لو كنت من أقرب المقربين، وبرضه ما تعملش زي معاتيه النظام المسيطر على الحكم دلوقتي اللي وصفوا البرادعي بنفس الأوصاف الإخوانية لمجرد اختلافه معاهم في كيفية معالجة موقف الاتنين متفقين على رفضه، انسى كل الأحكام السابقة لأنها أحكام على نوايا، وركز في حكمك على التصرف أو الموقف لا الشخص ذاته.
(3) صدق أو لا تصدق، حقيقة مثبتة بفيديوهات مسجلة يمكنك البحث عنها بهدوء بدون تشنج المهم أن تتسلح بإنجليزية بسيطة، البرادعي كان معارضًا لغزو العراق، طبعًا أنا تعمدت أتكلم عن التهمة دي لأن من قدمها جعلها اسطورة ملتصقة باسمه، وكل اللي يزهق من البرادعي ليس عليه إلا أن يريح ذهنه ويستدعي عفريت العراق ويبدأ في كيل الشتائم، سواء كنت متفقًا أو مختلفًا مع البرادعي يجب عليك أن تبذل بعض الجهد وتروض شيطانك وتبذل بعض المجهود في تصديق أن هذا الرجل كان معارضًا حقيقيًا لغزو العراق.
(4) أنا ليّ رأي في البرادعي ولكني لن أعلنه لكم.. لماذا؟ لأن رأيي ببساطة لن يفيدكم في شيء، ما يفيدك حقيقة هو قدرتك على تكوين الرأي بنفسك.. أما أن تحاول امتصاص رأي جاهز فإما انت مستعد للدفاع بدون مناقشة، أو مستعد للهجوم بدون مناقشة، أو مستعد للتصديق بدون مناقشة، أو مستعد لأي شيء بدون مناقشته وعرض الأمر قليلاً على عقلك، وبعضًا قليلاً على قلبك.. وفي كل الأحوال هذا سلوك غير مفيد لكم ولي.
(5) كيف تكون رأيك في موقف البرادعي إذن، عندنا فرضيتان متعلقتان بنية البرادعي، الأولى: إن البرادعي يلعب لمصلحته الشخصية البحتة، صاحب نوبل ذو الثقل الدولي العنيف، وصاحب العلاقات المتميزة بأعتى الشخصيات في العالم وصاحب الاتصالات الممتازة بأغلب حكومات العالم الديمقراطي، الرجل الذي كان يجلس في حضرة رؤساء أعظم بكثير من أعظم رئيس ورد على مصر بدون مهابة، لا يخافهم ولا يهابهم.. محاضر في جامعات مرموقة، مبارك بكل جهازه الأمني العنيف لم يستطع الاقتراب منه قيد أنملة برغم وجوده في مصر وإعلانه تحديًا مباشرًا له، وتفاصيل أخرى، يمكنك من خلالها أن تعتقد بنسبة معقولة أن البرادعي لن يضحي بكل هذا الزخم ليضع اسمه على فعل دموي مثل عملية فض الاعتصام وبالتالي هو فضل من منبع مصلحته الشخصية أن يترك لهم المركب الملوث بالدماء على أن يفقد كل ثروته الدولية.
(6) الفرضية التانية أفضل طبعًا من الأولى بكثير، أن هذا الرجل نظيف يعشق البلد، ويدرك تمامًا تبعات فض الاعتصام بهذا الشكل وخصوصًا مع خبرته الدولية، وتسجيل اعتراضه الرسمي والواضح في تسريبات جريدة الشروق ينفي كل ادعاءات النظام الحالي بكونه موافقًا، البرادعي اعترض رسميًا قبل فض الاعتصام على فضه بالعنف، الخلاصة أنه بإتباع هذا الفرض، هذا رجل نظيف يقدر قيمة الدماء، وتبعات إزهاق الأرواح على الوطن بأكمله بمؤيديه ومعارضيه، واقتناعك بكون البرادعي يلعب لمصلحته الشخصية أو للمصلحة العامة لا يفرق في شيء لأنني كما قلت سابقًا ما يهمنا هو الموقف، ما يعنينا هو الظاهر، أما النوايا فنتركها لخالقها.
(7) موقف البرادعي لم يكن موقفه وحده، شاركه فيه بعض السياسيين والكتاب والمثقفين.. مثل عمرو حمزاوي ومصطفى النجار وبلال فضل وغيرهم، المهم أن البرادعي كان هو الأوضح لأنه ذو منصب ثقيل في النظام الحالي.. وتفجيره للموقف بشكل علني في هذا التوقيت طرح تساؤلات وصدمة كبيرة وسط المؤيدين الملتهبين بالتصفيق لبحر الدم المراق، وصدمة بسيطة بين المعارضين الذين اختلف موقف البرادعي عما أخبروهم به عنه في مكتب الإرشاد أنه خاين وعميل وجملة التهم الأخرى.
(8) التسريبات اللي نشرتها جريدة الشروق باختصار مفادها إن المفاوضات اليومية تمت مع الاخوان قبل فض الاعتصام ولفترة طويلة، وده يديك فكرة عزيزي "الشعب" عن الكلام اللي قلته لجنابك قبل كده، حضرتك بتنزل تهتف للسيسي وتقتل بتاع الاخوان، او بتاع الاخوان بينزل يهتف للإسلام ويصلب بتاع السيسي، في حين إن السيسي والمرشد في نفس ذات الوقت ممكن يكونوا قاعدين على ترابيزة واحدة بياكلوا ويتكلموا التورتة هتتقسم إزاي، وطبعًا على قد ما قدرت تقتل جنابك، على قد ما قدر اللي بيتفاوض باسمك ياكل وهو مستريح، ياكل من الأكل والتورتة في ذات الوقت، وقلت لجنابك قبل كده، عينك على اللي بيتفاوض باسمك قبل ما يكون عينك على اللي بيتفاوض معاه، ما تبقاش تحرق نفسك قوي وانت بتقتل اخوك إلا لو كنت واثق تماما إن اللي هيقعد يتفاوض مش هيقعد اصلا، انما طول ما في مفاوضات يبقى في مساومات وتجارة بالدم، دمك إنت وأخوك.
(9) نرجع للتسريبات الصحفية ونقول إن الإخوان كانوا شبه وافقوا تمامًا على تقليص مساحة اعتصام رابعة للنصف تقريبًا، ومنع المسيرات الليلية اللي كانت بتستفز الأهالي والنظام في المناطق المحيطة، ده نظير الإفراج عن الكتاتني وأبوالعلا ماضي، وده يديك فكرة عن كيف تدار الأمور، فكك بقى من قصة القضا والقضايا والجرايم، كله صاحب جريمة سواء مبارك، أو المجلس العسكري أو الاخوان، المهم امتى هتلبس الجريمة دي، لما تقع يا حبيبي.. غير كده انسى.. وطبعًا جنابك ما سألتش نفسك ليه مرسي بيتحاكم دلوقتي في قضية فشنك ليها علاقة بالتخابر مع الأطباق الفضائية ومراسلة سكان المريخ، ومش بيتحاكم على قضية واضحة زي مقتل الناس في الاتحادية، والسبب ببساطة إن مرسي لو اتحاكم على جريمة الاتحادية هيجر معاه رجل ناس زي عمنا محمد ابراهيم بتاع الداخلية اللي كان بتاع مرسي، ودلوقتي بقى بتاع السيسي، عشان كده لا تنتظر عدل على هذه الأرض، انما حاول قدر ما استطعت أن تكون مواقفك نظيفة وهذا ما حاول أن يكونه البرادعي.
(10) إذن من وجهة نظر البرادعي الدبلوماسي اللي أكل عيشه وخبرته كلها في المكاسب النظيفة من الدماء، لقي أنك عشان تخرج شخصين وممكن تحدد اقامتهم أو تراقبهم 24 ساعة هتاخد أكتر من نص مكسب الاخوان في اعتصام رابعة، وبدون قطرة دم واحدة، وممكن بعد كده تتفاوض للافراج عن الشاطر نفسه نظير انهاء كل هذا الجنون، مع ملاحظة ان خارطة الطريق اللي جنابك وافقت عليها، طلبت من الإخوان انهم ينخرطوا فيها وينخرطوا في الواقع السياسي الجديد، والبرادعي كان شايف إن الخطوات دي ممتازة جدًا مقارنة بالوقت اللي تم فيها، الاخوان كانوا عاملين زي الست الغلطانة اللي غضبت من جوزها وراحت بيت أهلها بس برغم كده عايزاه ييجي يصالحها، والبرادعي ما كانش عنده مشكلة في كده مهما تكلف الموضوع من وقت ما دام هذا الموقف سيمنع اراقة الدماء.
(11) من مساوئ الكبرياء العسكري أنه يضيق ذرعًا بالمفاوضات، ويضيق صدره بطول الوقت قبل تنفيذ الأمر، العسكرية تعني أمرًا يتم تنفيذه بمجرد الانتهاء منه حتى لو كان مصدر الأمر على خطأ، وهذا يتعارض بشدة مع سلوك الدبلوماسية، لذلك يخطئ من يعتقد أن قيادة الجيش تتفق في الشكل أو الموضوع مع سلوك شخص مثل البرادعي.. الفكرة انه تم فرضه عليهم عن طريق تمرد، وائتلافات الشباب كممثل لهم ولم يملك السيسي إلا أن يقبل، العسكرية لا يعيبها سلوكها في ساحة الحرب، أما في الحياة المدنية فلا قيمة إلا لما يفعله البرادعي فقط، هناك فرق بين الحفاظ على دماء من اختلفت معهم من ابناء وطنك، واراقة دماء عدوك في ساحة الحرب، موقف البرادعي يسهل تفسيره من هذا المنطلق هو كان يريد منع اراقة الدماء بغض النظر عن عقيدة أصحابها، سواء كان هذا المنع لمجده الشخصي أو لله أو حتى لمصلحة الوطن لا فرق، المهم أن وجهة نظره أنه كان هناك طريق أطول طويلاً لتحقيق خارطة الطريق بدون هذا الجنون في اراقة الدماء، والكبرياء العسكري لم يقبل على نفسه أن يستهلك كل هذا الوقت في التفاوض مع من يستطيع سحقه بأمر يتم إصداره في ثوان معدودة.
(12) إنت لما تتأمل في تاريخ البرادعي القريب بروية شوية.. هتلاقيه كان على حق في مواقف كتير سبق فيها العصابة اللي مسمية نفسها النخبة في مصر بقرون.. والسبب وحيد.. هو خبرته العنيفة والطويلة على المستوى الدولي، لذلك التنبؤ بأشياء حدثت وسوف تحدث في دولة يرثى لها زي مصر مش أمر صعب على البرادعي، موقفه في الانسحاب من انتخابات الرئاسة كان واضحًا، عشان تكون رئيس يا تكون جيش يا اخوان وهو مش حد منهم فانسحب، عشان تعمل سلام اجتماعي لازم تعمل مصالحة ويمكن هو من اوائل الناس اللي طالبوا باحتضان بتوع الحزب الوطني اللي ما ارتكبوش جرايم، وشتمناه وقتها، وبعدها تمرد نفسها كان شغال فيها بتوع الحزب الوطني، لما نزل مصر ايام مبارك راح وش قعد مع الإخوان ولموا له فعلا أكتر من 2 مليون توقيع، لما الجيش اللي هو الجيش اللي البرادعي اكتر واحد عارف هو مين الجيش سيطر عالسلطة راح وقف معاهم عشان يحزم الموضوع بصبغة مدنية، ولما فشل استقال إذن انت قدام راجل اختلفت، او اتفقت معاه عنده قدرة غريبة على استقراء الواقع، وتصرفاته مهما كانت بتضايقك لازم تحطها في الاعتبار، لأنه عمره ما نط من مركب الا وغرق بعدها، عشان كده قلت لكم إمبارح، هتولع تاني قريب، ما تقلقوش.
(13) الانبهار اللي حصل امبارح من أداء مصطفى حجازي لا ينسيك إن ده الدور اللي كان الجيش عايز البرادعي يعمله، ده الدور اللي رفض البرادعي يعمله، الجيش كان عايزه يقف يكلم اصحابه في العالم كده ويحط صبغة دبلوماسية على بحر الدم اللي سال، وسواء كان البرادعي رفض لمصلحته الشخصية أو للمصلحة العامة، لازم تعرف إنه رفضه معناه انها قضية خسرانة، وبرغم ان مصطفى حجازي بذل جهدًا كبيرًا في انه يملأ الفراغ، إلا أن العالم برضه لسه مش مقتنع ومش هيقتنع، العالم مش عايش معاك عشان يفهم انك شلت رئيس انت قلت عليه منتخب ليه، وبعدها بشوية قتلت أنصاره، التفاصيل دي احنا نعرفها في مصر كويس انما العالم ليه النتائج، وسواء كده أو كده، البرادعي شاف القضية دي تحديدًا خسرانة، وأخد موقف في توقيت مشتعل، وكالعادة أهيلت عليه الشتائم من الطرفين، إلا أنه معتاد على ذلك دومًا، وانتهى الموضوع بـ"ستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله".
(14) في الختام يا عزيزي "الإنسان" في كلام لازم تحاول تتأمل في معناه قبل ما تنام، إذا كان فرض علينا الحرب، وهي واقع دلوقتي فعلاً، في ناس بتعتقد إن انتصارها في الحرب معناه انك تنتصر لفكرتك أو موقفك بغض النظر عن أي خسائر في الطرف التاني، وفي ناس أرقى شوية بتعتبر انتصارها، هو أن تحققه بأقل قدر من الخسائر من الطرفين، وفي ناس أرقى بكتير من تصوراتك وتخيلاتك، بتعتبر إن انتصارها الحقيقي في الحرب، هو منعها لفكرة الحرب من الأساس بين الطرفين، ودول اللي حطوا العسكر والإخوان في بوتقة واحدة، مش قادر تستوعب منطقهم أو تبلعه، مش مهم هييجي يوم يمكن تفهم.