مقال:.. "التخوين".. و"حرية الإختلاف".. و"الثورة"

 


 



يوماً بعد آخر يتزايد الاعتقاد لدينا باستحالة العودة إلي نظام ما قبل ثورة "25 يناير", وأن كل مكسب تحققه الثورة في طريقها نحو الدولة المدنية مثلما حدث مؤخراً من تجميد أو تفكيك لجهاز أمن الدولة "سيء السمعة", يعزز هذا الاعتقاد ويقترب به من درجة اليقين ليس لأن المؤسسة العسكرية فقط تستجيب لكل ما من شأنه أن يطمئن الجماهير ويزيل هواجسها تجاه المستقبل, ولكن لأن مقدار ثقة الجماهير في أنها دون غيرها هي "معقد الشرعية" يتزايد وبالتالي تزداد الثقة في فاعلية القرار والاختيار الوطني وهو المطلوب في هذه اللحظة.



وإذا كان مثل هذا التطور ينبغي أن يزيد من ثقة الجماهير وقدرتها علي حماية ثورتها إلا أن هناك من ظهر مؤخراً رافعاً شعارت كانت تتردد في الخمسينيات وظلت قابلة للاستهلاك والرواج حتي السبعينيات مفاداها أن كل من يخالفني الرأي هو بالضرورة "خائن", ومادام كل منا هو الثورة فإن من يجرؤ علي الاختلاف معي يصبح بطبيعة الحال خائن للثورة.. هل هذا معقول؟ هل كل من يختلف في الرأي مع أي كان يصبح كلاهما خائن بالنسبة للآخر؟! وهل تلك هي الثقافة التي نواجه بها الثورة المضادة إذا كانت قائمة بالفعل وليست من صنع ذواتنا؟!



لا أعتقد أننا في حاجة لإعاة اختراع مفهوم "التسامح الفكري" الذي هو مكون أساسي لثقافة الديمقراطية, و"التسامح" هنا _ وحتي لا يتبادر إلي بعض الأذهان _ لا يعني إسقاط الحقوق أو التجاوز عن الفساد المادي الذي يتعين الحساب الصارم لجميع رموزه وأطرافه, وإنما يصدق "التسامح" فقط تجاه الرأي وقبول "الاختلاف".. فليس كل من يدعو إلي أفكار أخري لا يعتقد فيها نفر من الناس هو خائن.. تلك هي ثقافة الديمقراطية التي ينبغي أن ننقلها للجمهور, ونبشر بها, لأن غياب هذه الثقافة وفقدان ذلك التسامح سوف يقود إلي معارك تبدد الطاقات, ولا طائل من ورائها غير الصراع بهدف استبعاد الآخر.. بينما هذا الآخر هو بالضرورة شريك سواءًا كان ذلك في موقع العمل أو في حركة مطالب أيًا كان توجهها أو بشكل عام شريك في الوطن نفسه.



ثقافة الاستبعاد قادت قبلنا مجتمعات كثيرة في الغرب إلي الاصطراع وإهدار فرص التنمية والبناء, وهذا بالقطع لا يعوزنا, ونحتاج إلي الإسراع بتجاوزه.. أقول هذا لإني شاهدت اشتباكات في ميدان التحرير بين قوي ترغب في إكمال الاحتجاج, وأخري ترفع شعار "الشعب يريد إخلاء الميدان" وثالثة في ميدان "مصطفي محمود" تحاول لفت الانتباه إلي وجودها وأنها صاحبة حق بدورها في القرار الوطني.. حدوث هذا الأمر غير مزعج في حد ذاته لكن المزعج هو استمراره لأنه يكرس حالة عدم التسامح التي تستعدي كل فئات المجتمع تجاه بعضها البعض.. بل أني استطيع الزعم أن الثورة المضادة الفعلية هي هذه الأجواء التي تمكن قوي لازالت تملك مصلحة واضحة في الالتفاف علي مكتسبات الثورة من إذكاء حالة الاصطراع والمواجهة.



لم يتقصر الأمر عند هذا الحد بل أن الدعوة التي تبنيتها منذ سقوط النظام السابق وحتي الآن حول أهمية النهضة الاقتصادية, وإنقاذ الوطن من كارثة إذا استمر تداعي الأوضاع الاقتصادية, اعتبرها البعض مقاومة للمد الثوري!. لا أعرف كيف؟ ولكن لأن هناك من يقول إن الموازنة العامة لا تتحمل المزيد من العجز دون انتاج حقيقي ويعني ذلك السير إلي هاوية الإفلاس المُزلة للقرار الوطني, وأنه لابد لكل المغامرين أن يعرفوا حقيقة مصادر الدخل السيادي والموارد الفعلية للدولة ومدي إسهام ميزان المعاملات الجارية والحساب الرأسمالي في زيادة فائض ميزان المدفوعات الذي أعلن البنك المركزي أول أمس أنه معرض لتحقيق عجز بمقدار 3 مليارات دولار بعد أن كان يحقق فائض لأنه لم يبقي لدينا داخل ميزان المدفوعات سوي موازين العجز وأعنفها الميزان التجاري.. هل انتظر من يتهمني بالوقوف في وجه المد الثوري لأنني أدعو إلي إنقاذ الوطن وعدم تبديد جهوده وبعثرتها في خلافات تمثل تَرفًا في هذا التوقيت..؟!



لم يقل هذا أحد إلي الآن _ الحمد لله _ ومع ذلك فالمقدمات دائماً تشي بالنتائج.. ولأني أؤمن بحق هذا الوطن في الحياة _ حياة أفضل لكل فئاته الفقير فيها قبل الغني _ لن تقف دون طموحاتنا في غد أفضل أي "فزاعات".. بل واستعد لطرح مبادرة لنهضة الاقتصاد من أجل "مصر أفضل" في غضون ساعات عَبر مجموعة "إقتصاديون من أجل مصر".. عاشت مصر حرة



جميع الحقوق محفوظة لموقع الخبر الاقتصادي