دعا خبراء اقتصاديون إلى ضرورة الإسراع فى تطوير سوق محلى للسندات والصكوك مدعوم بالجنيه لتحفيز نمو الاقتصاد الوطنى، وتسهيل إدارة المصارف المحلية للسيولة المتاحة لديها، مؤكدين أن السوق فى حاجة ماسة إلى هذه الخطوة سواء على المستوى الحكومى أو على مستوى القطاع الائتمانى.
وأشار هؤلاء إلى أن المخاطر التى تواجهها أسواق الائتمان العالمية مع تفاقم أزمة الديون الأوروبية قد رفعت كلفة الاقتراض من هذه الأسواق، خاصة فى ظل الحديث عن احتمالية تعرض ديون سيادية عالمية لمخاطر الإفلاس، متوقعين أن تستقطب سوق الدين المحلية فى حال إنشائها أنظار المستثمرين على المستويين العالمى والإقليمى من الباحثين عن استثمارات آمنة ومستقرة.
وأوضح الخبراء أن امتلاك دول الخليج، لمستويات ضخمة من السيولة جعلتها تصدر الرساميل إلى العالم لتمويل الكثير من المشاريع، فى الوقت الذى تسعى فيه الشركات والمؤسسات إلى البحث عن التمويل عبر أسواق الائتمان العالمية، والتى باتت تتسم بارتفاع كلفة الإقراض، بعد أن جففت الأزمة المالية العالمية منابع السيولة الرخيصة خلال السنوات القليلة الماضية.
وعزا هؤلاء هذه المفارقة غير المنطقية، إلى غياب أسواق محلية للرساميل على قدر كافٍ من التطور والنضج، سواء على مستوى مصر أو منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، لافتين إلى أن ما أفرزته الأزمة العالمية قد سلط الضوء على هذا القصور، وأظهر حاجة المنطقة إلى تطوير أسواق رساميل محلية وأسواق دين على درجة كافية من النضج، ليتم تدوير الأموال محلياً وإقليمياً، وهو ما يعود بالنفع على دول المنطقة، ويصب فى مصلحة الاقتصاد المحلى والإقليمى.
ويرى محسن عادل الخبير المالى، أن إنشاء سوق محلى للسندات والصكوك بالعملات المحلية، بات ضرورة قصوى ومن المهم أن يوضع فى صدر أولويات الحكومات بالمنطقة، لافتا إلى أن الإقبال الشديد على السندات والصكوك الصادرة من المنطقة، يعكس أهمية إنشاء هذه السوق، معتبرا التوقيت الحالى مناسبا جدا لمثل هذه الخطوة، لأن ما يحدث حالياً من تطورات فى أزمة الديون الأوروبية ومخاوف الإفلاس التى تهدد حكومات عدة فى أوروبا كاليونان وإسبانيا من شأنه أن يفيد هذه السوق فى حال إنشائها، والتى ستكون ملاذا آمناً ليس فقط للمستثمرين من المنطقة، بل للمستثمرين العالميين على حد سواء.
وقال عادل إنه بالإضافة إلى استفادة المستثمرين، تأتى الاستفادة الكبرى للاقتصاد المحلى من خلال فتح قنوات جديدة لتدوير السيولة المتراكمة لدى البنوك والفوائض النفطية، فى أدوات إقراضية جديدة تكون ذات مستويات مخاطرة أقل، وذلك بالتزامن مع إتاحة مجال تمويلى جديد أمام الشركات التى تبحث عن تمويلات لتوسعة أعمالها ومشاريعها بعيدا عن أسواق الأسهم والاكتتابات التى بات تتسم بالركود منذ الأزمة المالية العالمية.
وأضاف أن تطوير سوق للدين بالعملات المحلية يعتبر أداة استثمارية حيوية للاقتصاد، وهى مشابهة لأى استثمار حكومى آخر، موضحا أنه حتى فى ظل انعدام الحاجة الملحة من قبل الحكومات للاقتراض، فإن تأسيس سوق للدين يعد إنجازاً أساسياً فى الجهود الرامية إلى بناء اقتصاد متطور وحديث يقوم على أسس متينة ومتنوعة.
وتوفر سوق الدين أداة تتيح للنظام المصرفى إدارة السيولة والمخاطر بأسلوب فاعل، كما تفسح المجال أمام المصارف المركزية للتحكم فى السيولة المالية.
كما يسهم تنوع خيارات التمويل والاستثمار فى استقرار أسواق المال وتحقيق مستويات أعلى من الشفافية لدى كل من الشركات والحكومات، وعلاوة على ذلك، يسهم تطوير سوق للدين فى ترسيخ النظام والشفافية والمساءلة فى الأسواق، إذ إن كلا من الشركات والحكومات والمشاريع الممولة بواسطة سندات قابلة للتداول، تكون خاضعة للتدقيق المستمر من قبل الأطراف المشاركة فى السوق.
وفى مصر يمكن لسوق الدين أن توفر التمويل المطلوب للمشاريع الضرورية فى مجال البنية التحتية التى تشهد نشاطا متزايدا خلال المرحلة الحالية.
بدوره اعتبر المحلل المالى صلاح حيدر، إنشاء سوق محلية للسندات والصكوك، أمرا فى غاية الأهمية، باعتبارها تمثل إحدى القنوات البديلة للشركات الكبرى والحكومات والبنوك على السواء، للحصول على التمويلات اللازمة لتغطية توسعاتها ومشاريعها، بما ينعكس على تحفيز النمو الاقتصادى بوجه عام.
ولفت حيدر إلى أن ارتفاع كلفة الإقراض من الأسواق العالمية وكذلك من البنوك، يؤكد إلى ضرورة التسريع فى إقامة هذه السوق خاصة فى ظل ما تشهده أوروبا من أزمة ديون سيادية حادة أدت إلى إحجام البنوك الأوروبية عن أسواق الائتمان الخارجية، والاحتفاظ بسيولتها لتلبية الالتزامات الداخلية.
وأكد حيدر أن وجود مثل هذه السوق سيكون له العديد من الفوائد والإيجابيات على الاقتصاد المحلى، أبرزها توسيع قاعدة القنوات الاستثمارية أمام المستثمرين سواء كانوا من فئة المؤسسات أو الأفراد، وذلك من خلال سوق ثانوية، بالإضافة إلى الدور الذى قد تلعبه هذه السوق فى رفع مستوى الشفافية والإفصاح لدى الشركات العائلية الراغبة فى الحصول على تمويلات بعيدا عن أسواق المال، كما يسهم فى إعادة النظر فى آليات الإدارة المالية لدى هذه الشركات مع حصولها على تصنيفات ائتمانية تؤهلها لدخول أسواق الدين، الأمر الذى يصب فى النهاية فى رفع مستوى الكفاءة المالية للشركات العائلية.
ويشير إسلام عبد العاطى المحلل المالى إلى أن عدم وجود سوق نشط للسندات بالجنيه، نتج عنه عدم وجود منحنى للعائد يساعد على تحديد أسعار الفائدة على سندات الشركات لمختلف فترات الاستحقاق، موضحاً أن تجربة سنغافورة تؤكد أهمية وجود سوق للسندات الحكومية بالتوازى مع وجود عجز دائم للموازنة العامة.
ويرى أن تطوير سوق السندات فى الدول العربية بشكل عام يتطلب اتخاذ عدة إجراءات من أهمها إيجاد قانون للدين العام سواء بإصدار قانون جديـد أو بمراجعـة القانـون المعمـول به فى الدولة، إن وجد، بحيث يتم تحديد الهدف الأساسى لإصدار السندات الحكومية ومسؤوليات مكتب إدارة الدين مع وضع استراتيجية واضحة لإدارة الأموال المتأتية من إصدارات الدين الحكومى.
من جهته أكد ماجد مراد العضو المنتدب لشركة رويال للاوراق المالية أن على مصر ودول المنطقة العمل على مواصلة جهودها الرامية لتفعيل ودعم البنية التحتية لأسواق المال، وإتمام مساعى التأسيس لأسواق سندات محلية، مشيراً إلى انه من المهم والضرورى أن يتوفر لدينا أسواق محلية تساعد فى رسم السياسة النقدية وتعمل على تفعيل أداء الاقتصاد المحلى وتسهم فى تنويع مصادر التمويل”.
وأشار إلى إن الوقت الحالى ربما يكون هو الأنسب لمثل هذه الخطوة، مشيرا إلى أن الأوضاع الاقتصادية والمالية الراهنة فى أوروبا يجب ألا تعطل الجهود المحلية لتأسيس أسواق سندات محلية، مشددا على أهمية تفعيل مشاركة القطاعات المالية غير المصرفية فى إرساء قواعد أسواق المال المحلية ومنها قطاع التأمين.
وترى دراسة أعدتها الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن من شأن تطوير سوق للدين أن يعزز قدرات الحكومات والشركات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على جمع التمويل لأغراض الإنماء والاستثمار بكفاءة عالية وبتكلفة منخفضة.
وأشارت الدراسة إلى أهمية إنشاء سوق سندات محلى بالدولة وبالعملة المحلية، وذلك كأحد الدروس المستفادة من الأزمة الآسيوية التى عانت خلالها الجهات المصدرة للدين من فروقات أسعار الصرف التى زادت على كاهلهم أعباء أزمة إضافية على الأزمة الأصلية.
وأكدت أن لدى مصر البنية التحتية اللازمة لتأسيس سوق سندات حقيقى وبالعملة المحلية، لافتة إلى أن هناك اهتماماً حكومياً محلياً وإقليمياً بتطوير أسواق السندات المحلية التى ثبت مدى أهميتها بعدما وجدت البنوك المركزية فى المنطقة نفسها أمام الأزمة وتبعاتها دون الأدوات المالية والنقدية اللازمة لمواجهة الموقف بالسرعة الكافية.
وتعد السندات المحلية وعمليات السوق المفتوح الأسلوب الأمثل للبنوك المركزية للتحكم فى السياسات النقدية، لكنها تظل عنصرا مفقودا على مستوى دول المنطقة فى ظل ربط عملاتها المحلية بالدولار.
وتتسم سوق الدين بالعملات المحلية بالنشاط والسيولة اللذين من شأنهما أن يحققا العديد من الفوائد، مثل إمكانية النفاذ الدائم إلى رأس المال، وتنويع أدوات السياسة النقدية، وتحسين عملية تخصيص الموارد، وإيجاد منحنى عائد لتسعير الأصول المالية، بالإضافة إلى تصميم أدوات إدارة المخاطر، فضلاً عن تعزيز الخيارات للمستثمرين، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات.
وتوضح الدراسة أن أسواق الدين المنظمة ستسهم فى تحقيق نتائج متعددة، أبرزها الحد من الاعتماد على المصارف للحصول على التمويل، لاسيما فى الوقت الذى يسعى فيه القطاع المصرفى إلى خفض التمويل بالديون، والحد من المخاطر التى يتعرض لها الاقتصاد الكلى والوضع المالى نتيجة تقلبات أسعار الطاقة وذلك من خلال تزويد الحكومات بمصدر بديل للتمويل من شأنه توفير الاستقرار للعائدات المتقلبة، وتمكين السياسة النقدية من خلال تزويد المصارف المركزية بسوق لعمليات السوق المفتوحة، وأن تكون حجر الأساس للتمويل السكنى من خلال سوق فاعلة للرهن العقارى، مشيرة إلى أنه نتيجة لهذه العوامل مجتمعة، فإن وجود سوق للدين بالعملة المحلية يشكل حجر أساس فى استراتيجية التنمية بالدولة والمنطقة.