مقال.. الإعلان الدستوري.. و"تثبيت" النظام الاقتصادي

 


رغم عدد من التحفظات على بعض مواد الإعلان الدستورى الذى إنفرد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بوضعه سواءًا جاء ذلك على خلفية مراجعة اجتماعية أو بغض الطرف عنها, فإنى أرى أن ثمة مكاسب عديدة حققها هذا الإعلان تستوجب توجيه الثناء إلى المؤسسة العسكرية على هذا "المنتج النهائى" الذى ينبغى أن نعد أنفسنا من الآن فصاعدًا للتعامل مع مواده باعتبارها أمرًا واقعيًا والبناء – مؤقتًا – فوقها للارتفاع بأساسات الدولة المدنية المرتقبة.



ولعل ما يعنينى الإشارة إليه, فى هذا المقام دون أن ينقص ذلك من أهمية الملاحظات التى أوردها فيما بعد, ما يتعلق فى هذا الإعلان بـ"تثبيت" الاستقرار  والنظام الاقتصادي, غير أنى وقبل أن أفصل ذلك شارحًا باعتباره هدفًا لطموحات إئتلاف "اقتصاديون من أجل مصر" أنوه إلى مأخذين رئيسيين  ربما توافقت العديد من الآراء حول رفضهما, الأول الإصرار التمييزى الواضح والمعاند للمادتين الرابعة والسابعة من هذا الإعلان واللتان تنفيان أشكال التمييز كافة سواءً فيما يتعلق بمباشرة الحقوق السياسية أو التمتع كأصل عام بالحقوق, وهو ما تمثل فى الإبقاء على نسبة التخصيص القائمة (50% من مقاعد مجلس الشعب على الأقل) على أساس فئوى, لصالح فئة العمال والفلاحين من مقاعد المجلس القادم على الأقل أيًا كانت مدة بقائه, وهى نسبة تجافى توجهات الإعلان.



أما المأخذ الآخر فيتعلق بالابقاء على مجلس الشورى بالرغم من كونه مجلس تكميلي, ويتم تعيين ثلث أعضائه عن طريق رئيس الجمهورية, وذلك خلاف العبء التمويلى الذى يمثله على الموازنة العامة المنهكة للدولة, وكان بالإماكن التخلى عنه دون تبعات أو أثر فيما يتعلق بانتظام واستمرارية التوجه الديمقراطي.



وفيما يتعلق بأهم ما جاء فى هذا الإعلان من أجل "تثبيت" الاستقرار والنظام الاقتصادي, فيتمثل فى كل ما أكد عليه عبر العديد من مواده الـ63من حرص على الحرية وبيان لاستكمال شخصية الدولة وممارستها لجميع سلطاتها مع تضييق هامش الاستثناء, ففى المادة "5" على سبيل المثال أكد الإعلان "أن الاقتصاد فى الدولة يقوم على تنمية النشاط الاقتصادى والعدالة الاجتماعية" وهذا يعنى تبني الحرية الاقتصادية دون تفويت لحقوق جميع الفئات لهذا فهو يستكمل فى الشطر الثانى من المادة ذاتها, أن النظام الاقتصادى يقوم علي: "كفالة الأشكال المختلفة للملكية والحفاظ على حقوق العمال", أى أن الملكية الخاصة والعامة كلتاهما لا مساس بها ودون التأثير على حقوق العمالة, وهو توجه واضح المعالم غير ملتبس مخالف للعديد من التوجهات الاشتراكية التى كانت تهيمن فى السابق على دستور "71".



وإذا أعدنا قراءة المادة الأخيرة فى ظل المادة السابقة عليها مباشرة والتى لا علاقة لها بالنشاط الاقتصادي, وإنما كاتجاه عام داخل الدولة من حيث حظر مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب على أساس دينى أو بناءًا على التفرقة بسبب الجنس والأصل فإننا نستطيع التحقق من أن الحرص الأساسى لدى هذا الإعلان هو "تثبيت" الجذور المدنية للدولة, وهذا يحسن إلى حد بعيد صورة النظام السياسى بعد ثورة 25 يناير أمام العالم, وهو أمر مطلوب من أجل النهضة الاقتصادية.



هناك كذلك المادة "62" من الإعلان والتى تمثل ما عنيناه باستكمال شخصية الدولة وبناءها القانوني, فبعد فراغ الإعلان من تحديد سلطات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ممثلًا بصفة مؤقتة لسلطة الرئاسة, وكذلك سلطات مجلس الوزراء يحدد الإعلان فى هذه المادة استقرار وتثبيت النظام القانونى للدولة الذى يعد القاعدة الأولى للبناء الاقتصادى وتدفق الاستثمارات فى اتجاه الداخل حيث تقول المادة "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان يبقى صحيحًا ونافذًا" وهو ما يعنى أنه لا تأثير على أى نشاط أو حقوق أو مراكز تم اكتسابها سلفًا طالما قد تأسست بحجة القانون, وهذا ما يحتاج إلى معرفته كل مستثمر وصاحب نشاط اقتصادى ويعد ذلك خطوة مهمة لحماية النظام الاقتصادى العام الذى يحتاج إلى كل مساندة.



وفيما يتعلق بالملامح الأخرى الإيجابية يمكن إجمالها فى الروح الواضحة للتأكيد على حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأى فى المواد من "7 إلى 13", وكذلك المواد من "15 وحتى 23" فضلاً عن إعلاء مكانة الإشراف  القضائى الكامل على مختلف أشكال الانتخابات.



جميع الحقوق محفوظة لموقع الخبر الاقتصادي