هى مهنة شعبية عربية تعتمد على كلمات أناشيد وطقوس بسيطة، غير أنها توشك على الانقراض حديثا مع تمدد التكنولوجيا وانكماش التراث.
هى مهنة "المسحراتى"، هذا الرجل الذى يجول الشوارع يوقظ المسلمين فى ليل شهر رمضان المبارك لتناول وجبة السحور، والمشهور عن "المسحراتى" حمله الطبل أو المزمار والعزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة ما يكون النداء مصحوبا ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية "اصحى يا نايم وحد الدايم".
"المسحراتى" وظيفة كانت معروفة ومتداولة منذ عقود فى السعودية والبحرين وقطر والكويت ومصر وتونس والسودان وليبيا وسوريا.
وبالرغم من التكنولوجيا الحديثة، ومنبهات الجوالات والساعات، إلا أن مهنة المسحرّاتى بنغمتها المشهورة "اصحى يا نايم، وحّد الدايم"، مازالت متواجدة وإن تراجعت مؤخرا.
وفى الغالب لا يتقاضى المسحراتى أجرا نظير عمله طيلة الشهر الفضيل منتظرا حلول أول أيام عيد الفطر ليمر على المنازل التى كان يوقظ أهلها للسحور ومعه طبلته ويوالى الضرب عليها فيهب له الناس بالمال والهدايا والحلويات متبادلين عبارات التهنئة بالعيد.
ورغبة فى إحياء المهنة الإسلامية المندثرة فى ذاكرة الناس يقدم الممثل المصرى، صلاح عبدالله، هذا العام مسلسل رسوم متحركة بتقنية ثلاثية الأبعاد (3 D) يحمل نفس الاسم "المسحراتى".
مسلسل الرسوم "المسحراتى" سيقوم ببطولته صلاح عبد الله، وألف كلمات الأغانى له عبد الفتاح البنا، وألحان الموسيقار ماجد عرابى، ويقوم المخرج سامح مصطفى بتنفيذ أعمال الجرافيك والرسوم المتحركة.
المسلسل سيقدم فى كل حلقة من حلقاته الرمضانية مجموعة من الأشعار التى تحمل بعض القيم المجتمعية والعبادات المرتبطة بالشهر الفضيل كآداب الصيام والصلاة؛ كما ينتقد بعض السلبيات التى انتشرت فى المجتمعات الإسلامية كتفشى الرشوة والأمية وإهمال حقوق الجار.
ويقول بطل العمل الفنان صلاح عبدالله إنه انتهى من تسجيل كل حلقات المسلسل والتى لن تتجاوز مدة الحلقة الواحدة منها خمس دقائق.
وأوضح عبدالله، فى تصريح لوكالة الأناضول أنه سيتم تركيب صوته على شخصية كرتونية تلعب دور البطولة المطلقة فى العمل ولن تظهر فيه أى شخصيات حقيقية على الإطلاق.
وإلى جانب القيم المجتمعية التى سيحاول المسلسل إحياءها سيقدم قراءة تاريخية لعادات المصريين الرمضانية المختلفة وما طرأ عليها من تغيير عبر العقود، حسب بطل العمل.
وكان والى مصر إسحاق بن عقبة أول مسحراتى يعرفه التاريخ عام 228 هجريا حينما كان يقطع المسافة بين مدينة العسكر بالفسطاط وجامع عمرو بن العاص بالقاهرة سيرا على قدميه ليوقظ الناس لتناول طعام سحورهم.
أما أول من أيقظ الناس على الطبلة للسحور فهم أهل مصر؛ بينما كان أهل اليمن والمغرب يدقون الأبواب بالعصى الخشبية، وكان أهل الشام يطوفون على البيوت عازفين على الطنابير (الطبول الجلدية)؛ ما يعكس حرص المسلمين على طعام السحور تمسكا بالحديث النبوى الشريف: "تسحروا فإن فى السحور بركة".
ومنذ ذلك الوقت تعددت الطرق والأساليب لإيقاظ النائمين على السحور، ففى عهد النبى محمد - خاتم المرسلين - كان المصلون يعرفون وقت السحور بأذان (بلال بن رباح)، ويعرفون الامتناع عن الطعام بأذان (عبد الله ابن أم مكتوم)".
وعلى مر العصور ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، بدأ المسلمون يتفننون فى أساليب التسحير وظهرت وظيفة "المسحراتى" فى الدولة الإسلامية فى العصر العباسى، وفى العصر الفاطمى أمر الحاكم بأمر الله الفاطمى الناس أن يناموا مبكرين بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، وبعد ذلك عيّن أولوا الأمر رجلا للقيام بمهمة المسحراتى والذى كانت مهمته المناداة "يا أهل الله قوموا تسحروا"، وكان يدق أبواب المنازل بعصا يحملها.