فى العصر الحديث كانت حقبة الثمانينيات من القرن الماضى هى نقطة فاصلة فى تغيير النمط الاستهلاكى للناس فى هذا الشهر .. وفى هذه الحقبة التى شهدت توسع الشركات متعدية الجنسيات فى الأسواق المصرية مثل شركات المشروبات الغازية "كوكاكولا وبيبسي كولا، وشركات رقائق البطاطس "شيبسى"، ودخول مصر سوق استيراد زيت النخيل، وهو ما تزامن مع اتساع ثورة التكنولوجيا ودخول التليفزيونات كل بيت فى مصر.
كان ظهور التليفزيون هو نقطة البداية فى تحول ثقافة الإستهلاك فى مصر، ونجح عميد شركات الإعلان "طارق نور" وأخوته فى قيادة هذا التحول .. فقنوات التليفزيون زادت من قناتين فقط وهما القناة الاولى والثانية الى 10 قنوات محلية وإقليمية وناطقة بالإنجليزية، وهو ما وفر مساحات زمنية كبيرة لاستقبال ثورة التسويق القادمة بقوة.
كيف دخلت "الكولا" فى صلب المائدة المصرية
بعد أن كانت المياه الغازية من المنتجات التى تتعرض للركود طوال شهر رمضان، أنفقت شركات "الكولا والصودا" ملايين الجنيهات خلال التسعينات من القرن الماضى، للربط بين "المنتج" و"الصيام"، والربط بين عطش الصائم .. والارتواء من منتجاتها، وجندت فى سبيل ذلك عدد كبير من مشاهير الفن والرياضة، واستخدمت كافة أنماط الدعاية من الإعلانات التشويقية وذات الإيحاءات الجنسية والكوميدية وحتى الإعلانات ذات الاجواء العائلية، لتصبح المياه الغازية الآن فى الألفية الثالثة هى الفاصل المشترك على موائد الصائمين رغم قائمة أضرارها – المثبتة ببحوث علمية - التى تبدأ بتآكل الأسنان وتنتهى ومرض السكر وهشاشة العظام، مرورا بالأرق والصداع والحموضة وتوتر الجهاز الهضمي، ويكفى فقط معرفة أن المشروبات الغازية تصنع من الماء المعالج مع غاز ثاني أكسيد الكربون، وإضافة مواد تحلية ولو ونكهات وأحماض مثل حمض الفوسفوريك، وحمض الستريك، ومادة الكافيين التى تعادل فى العبوة الواحدة الموجود فى فنجان القهوة.
الـ"شيبس" .. رقائق الأمراض
نفس الأمر نجحت شركات الدعاية فى ترويجه بين المصريين وهو شرائح البطاطس "شيبس" التى تحولت من "مقرمشات" مضرة، الى جزء رئيس من مائدة رمضان، ونجحت شركات الدعاية العملاقة فى إقحام الـ"شيبس" فى الموضوع، عبر حملات إعلان مكثفة إستخدمت نفس النمط الامريكى فى التسويق من خلال نجوم السينما والدراما، الذين إرتضوا الترويج لتلك السموم المعبأة فى أكياس ملونة، وترويجها بالأساس بين الأطفال، رغم أضرارها الكبيرة كاحد مسببات السرطان وأمراض القلب وإرتفاع الكوليسترول وأمراض الكبد، والسمنة لدى الاطفال بسبب الألوان والنكهات التى تضاف للبطاطس والزيوت المهدرجة المستخدمة فى تسوية الرقائق، الى جانب الكارثة الأكبر التى كشفها لى عميد كلية الزراعة بأحد الجامعات من أن شركات الـ"شيبس" تضع مبيدات على حبات البطاطس أثناء تخزينها لفترات طويلة لضمان عدم نبت الدرنات من حبات البطاس خاصة مع تخزينها فى أجواء رطبة.
ولكن من أجل الأرباح الوفيرة والمكاسب العملاقة – لاحظ زيادة عدد شركات الـ شيبس" فى مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة - تضرب شركات رقائق البطاطس - ونجومها الذين تستعملهم - عرض الحائط بهذه المخاطر فى مقابل ترويج هذه السموم وإدخالها فى صلب موائدنا الرمضانية، ودعم الثقافة الاستهلاكية.
سمن زيت النخيل .. بوابة أمراض القلب
قادت شركات المسلى الصناعى وكيانات الدعاية العملاقة فى مصر - مدعومة بالفقر وضيق ذات اليد - أكبر عملية تحويل لعادات المصريين، بترويجها للمسلى الصناعى، المصنعة الدهون المشبعة الضارة مثل زيوت النخيل، وتحول شهر رمضان خلال السنوات الخمس عشر الماضية الى أكبر كرنفال للترويج "للسمن" الصناعى رخيص السعر، عن طريق حملات الاعلانات المكثفة، التى تتحدث "عن طعم الفلاحى" و"ريحة القشطة" و"لون الزبدة الصفراء.
فبعد أن حاربت الدول المنتجة لزيت النخيل و"معظمها دول أسيوية" لإدخال مصر – أكبر مستورد للزيوت فى العالم – فى هذا السوق فى السبعينات، وهو ما رفع سعره عدة أضعاف، قامت بدعم الشركات المستوردة لتوسيع استهلاكه فى مصر، واستبداله بالسمن البلدى والزبد والزيوت المعروفة، وبالفعل نجحت تلك الشركات، وأصبح رمضان هو شهر اعلانات "سمن زيت النخيل"، رغم أن تلك الزيوت من اهم مسببات إرتفاع نسبة الكوليسترول فى الدم وأمراض القلب والسمنة، وهو ما دفع الدول المتقدمة الى تجريم إستخدام كل انواع المسلى والسمن الصناعي فى الوجبات بالمطاعم، اما نحن فلازلنا نبيع المرض للناس فى نهار وليل رمضان.