المهندس شريف اسماعيل
إمتلاك وسائل النجاح ليس الاهم ما دامت العبرة فى ادارة تلك الوسائل مهما كبرت أو صغرت. وجود مناطق تبدو مزارات ومقاصد سياحية فى بلد ما لا يعنى على الاطلاق انها بلد سياحي ؛فهذا النعت نتاج ادارة وفكر ومعطيات سياحية فى المقام الاول، يجعل المكان او البلد مقصد سياحي ورغبة لدى السائح الاجنبي فى الوصول اليه مهما طالت المسافات.
كان للوضع السياحي المنكمش فى منذ خمسة اعوام تداعياته فى مناقشات الخبراء والمسئولين والمختصين والسياسين حول كيفية استرجاع العافية للقطاع السياحي ،الصناعة المنعقدة عليها امال الحكومة فى تغطية النفقات وتوفير السيولة النقدية الاجنبية بجانب انه قطاع يحتضن أربعة ملايين مصري يعملون بين أرجائه
لم يكُ ضعف اقبال السياحة الوافدة الى مصر هو السبب الوحيد فى انكماش صناعة السياحة المصرية حسب رأى المراقبين والمختصبين بل ان الاعداد الكثيرة للسياحة الوافدة من ذي قبل حجبت الرؤية عن خلل كامن في بنية القطاع السياحي ؛ولكنها الان تكشفت مع جملة الازمات التى صاحبت القطاع.
اصوات كثيرة نادت بخطورة البيروقراطية الحكومية على السياحة وادارة المزارات الاثرية والسياحية ؛وكيف ان الادارة السياحية الموجودة لم تعد تناسب الامكانيات السياحية المتوفرة ولا تناسب المنافسة الشرسة فى سوق السياحة العالمية من حولنا. من يدير المزارات ؟ الحكومة ام شركات السياحة المتخصصة؟ كيف تدير الدول مزارتها السياحية؟ ما هى التوصيات التى تقدمها منظمة السياحة العالمية للارتقاء بنمو حركة السياحة عبر العالم؟
منذ اسابيع كلف المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزارء وزير السياحة باسناد ادارة منطقة الاهرامات لشركة سياحية متخصصة لتنمية المنطقة وتعزيز الدخل السياحي ؛القرار يعتبر من الناحية النظرية خطوة جديدة من الحكومة فى ادارة المناطق الاثرية والنشاط السياحى ؛ لكن يظل هذا القرار ممنوعا من الصرف حتى يتضح لنا؛ هل تلك الخطوة تجربة أم توجه؟
عندما تمتلك ثلث اثار العالم فالحتميات تفرض نفسها علينا ؛هل استقلبنا ثلث سياح العالم؟
"الغريب هنا أن هذه الدول تربعت على عرش الدول المستقبلة للحركة السياحية العالمية على الرغم من محدودية الموسم السياحى لديها و الذى لا يزيد عن أربعة أشهر فقط..فى حين أن مصر التى بها مقومات طبيعية فريدة من نوعها.. وطقس معتدل وشمس ساطعة طوال العام ..وأثار لا يوجد لها مثيل فى العالم..عجزت عن استغلال كل ذلك ولم تنجح حتى الأن فى معاملة السياحة كصناعة وأدارتها بطريقة عشوائية غير مدروسة..فكانت النتيجة أننا تربعنا بجدارة على عرش المقاصد السياحية الرخيصة..وليس هذا فحسب بل إن الأمر وصل بنا الأمر إلى تقديم ملايين الدولارات الى شركات السياحة الأوروبية حتى تقبل وضع مصر ضمن برامجها ولو كانت بأرخص الأسعار" ؛ هذا نص شكوى احد المستثمرين السياحيين المصرين ويعلق على الوضع السيء للادارة السياحية فى مصر
"مصر تمتلك 54 متحفًا، نصفها تقريبًا مغلق، منها 28 متحفًا إقليميًا مفتوح منها 4 متاحف فقط، وتحتاج إلى مبالغ كبيرة لرفع كفاءتها، ومن بينها المتحف المصرى" كلمات أدلى بها وزير الاثار خالد العناني فى ابريل هذا العام وقد اقترح تفعيل دور القطاع الخاص والمستثمرين، فى تطوير واستغلال المناطق الأثرية والمتاحف، وتوفير الخدمات بها، تحت إشراف الوزارة، بنظام حق الانتفاع، لتوفير الموارد المالية اللازمة لذلك، وتخفيف العبء على موازنة الدولة.
ادارة وتنمية المزارات السياحية العامة وتحديدا الاثرية اذن هى الباعث القوي لتنشيط العائد من هذه المزارات التى كانت ولازالت صاحبة الفضل فى عالمية مصر وجذب السائح ليشاهد متحف اثري ضخم يضم ثلث اثار العالم بتنوعه الفرعونى والرومانى والقبطي والاسلامي ؛هذا خلاصة القول لدى خبراء صناعة السياحة حتى وان تباينت التفاصيل الثانوية فى شكل الادراة ومديريها
الدكتور محمد بكر رئيس هيئة الاثار الاسبق يري ان الحكومة لم تكن ابدا ناجحة فى ادارة السياحة والمزارات الاثرية بسبب البيروقراطية التى سرعان من تخلق مافيا منتفعين "منطقة كالاهرامات مثلا تذهب مكاسبها لجيوب الافراد والشركات التى اصبحت عصابات صغيرة تعمل هناك لمكاسبها الخاصة وتستنزف اموالا من السياح لا تستفيد الدولة منها وتنفر السائح الاجنبي من القدوم و تعمل تحت ستار الترخيص الممنوح لها من الوزارة مقابل ضريبة ضعيفة جدا"..."توجد هجمت على مساحات من اراضي المناطق الاثرية من خلال البنايات العشوائية مثل نزلة السمان وكفر الجبل ؛ أراضي تغفل عنها الحكومة ومغتصبة بالقوة ؛وكذلك المناطق الاثرية بالصعيد عرضة للنهب والتنقيب من قبل الاهالى والتعدى على اراضيها لان البيروقراطية جعلت الحكومة كسولة عن حماية تللك المناطق"
ويري الدكتور بكر ان اسناد المناطق الاثرية لشركات سياحية متخصصة هى الحل الاجدى حاليا لوقف النزيف "الشركات الخاصة خالية من البيروقراطية ؛وستحافظ على الاثار وستسوق بشكل مهني وحديث لانها تريد ان تكسب هى..مرحب بالشركات الخاصة لكن لا بد ان تكون شركات وطنية وليست اجنبية ؛الاشراف الحكومة على الشركات الخاصة وتقديم الدعم لها يساعد الطرفين طالما الامر اصبح شراكة ومنفعة متبادلة"
الدكتور مختار الكسباني المستشار العلمي لوزارة الاثار يرى ضرورة ان تتغير المفاهيم القادمة فى ادارة السياحة "السياحة فى العالم تديرها شركات قكاع خاص لان الدولة معوقة ؛مثلا الحج والعمرة بالسعودية شركات خاصة هى التى تدير وتنظم ، الفنادق الاثرية التى تديرها شركات خاصة هى فنادق ناجحة مثلا فندق الماريوت ..روح اى مكان بالعالم روح تركيا وماليزيا وغيرها السياحة هناك مدارة بشركات خاصة متنافسة والحكومة يهمها المنافسة بينهم وستعطى المناقصة للشركة التى تقدم عرض اقوى"
ويرى الكسبانى ان الاثار الاسلامية فى مصر يجب اسنادها للقطاع الخاص والا يخشى عليها الشعب او الحكومة من الشركات "بسمع كلام ان لما الشركات تدير المساجد والمتاحف الاسلامية ستحولها لملاهي ؛أبدا مش هيحصل الاثار الاسلامية فى الدول الاخرى تديرها شركات خاصة طالما هنالك ضوابط وشروط الحكومة تضعها للشركة التى تدير المزار...الاثار الاسلامية بمصر ممكن تستقبل سياحة اكبر بكثر لكن تنمية المزارات الاسلامية وادارتها لا ترقى انها تكون مزار اسلامي ويجب الا يخاف احد من خصصتها"
ويضيف الكسباني " مش شرط تكون شركة مصرية تدير المزار ؛الماريوت تديره شركة هندية ،لكن مفيش مكان لحق الانتفاع انا مش هبيع اصولى واستغنى عنها مقابل حفنة من المال ؛الادرة تكون شراكة بين الدولة والشركات"
وعن حماية المناطق الاثرية من التعديات "قانون حماية المناطق الاثرية لابد ان تطبقه المجالس المحلية وليس الشرطة حتى نضمن حماية فورية ودائمة للاماكن الاثرية.. الدولة عليها فقط ان تحمي الاثار وتبرزها وستتولى الاثار تسويق نفسها "
نقيب السياحيين باسم حلقة علق على خطوة اسناد منطقة الاهرامات لشركة سياحية خاصة بانها خطوة مهمة لفصل الادارة عن الحكومة مع وجود اشراف من وزارة الاثار على الشركات الخاصة ووضع الضوابط لحماية حقوق الدولة ايضا
"الشركات التى تدير اى مزار سياحي فى مصر لابد ان تكون مصرية مائة بالمائة ، الاثار امن قومي ؛والشركات لا بد ان تعمل بشراكة مع الحكومة وتحت رقابة القانون ولا يجب ان نصغى لمقولة اعطاء المزارات للشركات بحق الانتفاع"
وعن الدور المنوط بالشركات الخاصة فى الادراة "الحكومة تتعاقد مع عدة شركات خاصة فى ادارة المزارات الاثرية مثل شركة للامن وشركة للنظافة وشركة للنقل وهذا منبع الفساد لابد ان تسند العملية برمتها لشركة واحد فى المزار السياحي تتولى عمليات التنظيم والدخول والخروج والنظافة والتذاكر والامن واقامة المنشآت السياحية مثل المطاعم الفنادق الاستراحات المولات.الباعة الجائلين هى افة السياحة المصرية ومادامت توجد بيروقراطية لن نتخلص من هذه الافة ،الشركات الخاصة ستتكمن من التخلص منهم حتى يجد السائح نفسه فى جو سياحي محترف يحترمه ةيحعله يقبل لمرات اخرى"
وعن التسويق يعلق حلقة "الحكومة منوط بها الدور الاكبر فى عملية التسويق كجزء من التنشيط السياحي بالداخل والخارج ؛ الحكومات عبر وزراتها تستطيع ان تستقطب الاوبرات العالمية وتنظمها بالاماكن الاثرية ؛رعاية المهرجانات العالمية بالمناطق الاثرية...الشركات الخاصة يجب ان نفتح لها الباب ايضا فى عملية التسويق هى تريد زيادة مكسبها والمنفعة ستعم على الكل"
ويضيف حلقة " دول العالم اسبانيا فرنسا ايطاليا تركيا السياحة لديهم مدارة عبر الشركات الخاصة ؛متحف اللوفر بباريس تدير شركة خاصة مع اشراف حكومي. يجب ان ندرس التجارب الاخرى"
ويقترح حلقة الا تقتصر مشاركة القطاع الخاص على المزارات فقط بل على الطرق المؤدية اليها " من الممكن تعطي الدولة حق الانتفاع فى الاعلانات على الطرق المؤدية للمزارات لشركات خاصة مقابل ان تقوم برصف الطرق وتنميتها بشكل احترافي ،بذلك نضمن تنمية مباشرة للطرق وغير مباشرة للمزارات الاثرية بلا مقابل"
يذكر ؛خلال الإجتماع السادس لوزراء طريق الحرير المنعقد في معرض برلين الدولي للسياحة في 9 آذار/مارس قال أمين عام منظمة السياحة العالمية "يتعيّن على الحكومات أن تدير وتوجّه السياسات السياحية، بيد أنّ القاطرة التي تحرّك التنمية السياحية تتمثّل بالقطاع الخاص، وبالتالي لا يمكن لأيٍّ من القطاعين العمل بمعزلٍ عن الآخر".هذا التوجه فطنت اليه دولة تعتبر المنافس السياحى الاول لمصر فى المنطقة وهى تركيا ؛ تركت تركيا القطاع السياحي ينظم أموره بنفسه وكل دورها هو توفير المناخ وتقديم الدعم من خلال الخطط والدعاية والرعاية.
اشراك القطاع الخاص بأن يستثمر فى المنظومة السياحية مع الدولة هو كأي عملية استثمار تتطلب أساسات واوضاع ومعطيات وشروط متوافرة من اجل المخاطرة فى الاستثمار ؛ فحينما يتعلق الأمر بإنقاذ صناعة بهذه الأهمية والخروج بها من محنة طارئة أو أزمة استثنائية، فإن الدولة يكون عليها واجب التدخل بسرعة وحسم وبأدوات وآليات غير تقليدية كيما تسهل عملية الاستثمار ؛ الدكتور زياد بهاء الدين الرئيس الاسبق لهيئة الاستثمار يشرح ذلك " البداية هى إدراك أن لدينا فى قطاع السياحة أصولاً مادية وبشرية تم استثمار المليارات فيها طوال العقود الماضية وأن تركها يمثل إهدارا حقيقيا للثروة القومية وقضاء أكيدا على فرصة هذا القطاع فى تعويض خسائره واسترداد عافيته. الخطر الحقيقى على المدى الطويل هو أن نترك العاملين المدربين فى قطاع السياحة يتركون مواقعهم، والفنادق تتدهور، والخدمات تنهار، والديون تتراكم، فإذا ما عادت الظروف المواتية مرة أخرى ــ وهى بالتأكيد سوف تعود ولو بعد حين ــ لا نجد سوى فنادق متهالكة وخدمات منهارة وعاملين منعدمى الخبرة فلا نتمكن من استقطاب سوى أدنى مستويات السياحة العالمية.... على الدولة إذن أن تفعل عكس المعتاد فى مثل هذه الظروف، وتتدخل بكل قوة للحفاظ على البشر والأصول والمرافق. واقتراحى أن يكون ذلك عن طريق إنشاء صندوق لدعم قطاع السياحة يتم تمويله من الخزانة العامة، ومن منح عربية ودولية، ومن اقتراض داخلى وخارجى جديد، بل ومن بيع بعض الأصول والأراضى المملوكة للدولة إذا لزم الأمر، على أن يتم وضع هذا الصندوق تحت تصرف وزارة السياحة لاستخدامه فى المجالات التالية 1-دعم احتفاظ الفنادق والمنشآت السياحية بالعمالة فى فترة الركود من خلال سداد تأميناتها الاجتماعية ونسبة من أجورها.2ــ زيادة برامج تدريب وتأهيل العمالة القائمة ورفع كفاءتها استعدادا للمستقبل. 3ــ توفير منح مالية وعينية من أجل صيانة الفنادق والمنشآت السياحية والحفاظ على حالتها الانشائية والخدمية كيلا تتدهور. 4ــ توفير التمويل اللازم لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مجال السياحة، مع تسهيل إصدار الرخص اللازمة للمشروعات السياحية الجديدة.5ــ استكمال المشروعات والبنية التحتية والخدمات العامة التى ترفع مستوى قطاع السياحة. 6ــ دعم المشروعات والفنادق السياحية فى خدمة الديون المستحقة عليها ولو بمجرد سداد الفوائد الجارية لحين تجاوز الأزمة".
صناعة السياحة المصرية تريد ان تستبدل آلاتها وعجلاتها لتستجيب لمعطيات الاستثمار من ناحية وتنشيط القطاع من ناحية اخرى ؛ ادارة القطاع حسب راى الخبراء تتطلب هدم التوابيت الحكومية القديمة التى اعاقت الصناعة الوحيدة المتبقية والمنعقد عليها امل كبير فى عافية الاقتصاد المصري.