صورة أرشيفية
عقدت مكتبة الإسكندرية اليوم جلسة حوارية بعنوان "أصول العلاقات المشرقية المغاربية"، وذلك ضمن فعاليات مؤتمر "العلاقات بين المشرق والمغرب العربيين: ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.. رؤى في إعادة كتابة التاريخ" الذي يعقد بالمكتبة على مدار يومي 24 – 25 سبتمبر.
تحدث في الجلسة الدكتور علي حمريت؛ أستاذ جامعي وباحث تونسي، والدكتورة حسناء داوود؛ مديرة مكتبة تطوان بالمغرب، والدكتورة إكرام عدنني؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن زهر بالمغرب، والدكتور عبد العزيز صلاح سالم؛ أستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، وأدار الجلسة الدكتور مصطفى الكتيري.
وألقى الدكتور علي حمريت ورقة بحثية تحمل عنوان "علاقة الأخوة العربية الدائمة بين المشرق وبلاد المغرب: العرق وتونس نموذجًا"، موضحًا أن بعض الأحاديث النبوية- بقطع النظر عن صحتها- تؤسس للرأي السائد لدى عموم الناس في بلاد المشرق، إلى حض المسلمين على الارتحال إلى بلاد المغرب، الأرض المفتوحة الجديدة.
وأضاف أن هذه الأحاديث ترن في أذهان أهل المشرق وهي تدعو إلى ترسيخ الفتح للبلاد المغاربية، وتحويل هذه المنطقة إلى بلاد هجرة لتصبح مركز إشعاع للحضارة الإسلامية التي مبدؤها المشرق، ومن هنا جاء تأسيس أول مدينة عربية لضمان هذا الاستقرار وهي القيروان كنواة أولى، منذ خلافة عثمان بن عفان (644 – 656).
وأوضح "حمريت" أن الفاتحين العرب في القرن السابع كانوا منحدرين من حضارات القارة القديمة الزراعية في مصر والشام وبلاد ما بين النهرين، وتكون جيل جديد من المولدين أو الشباب الذي مزج بين دم العرب ودم البربر وعمق التواصل في بروز مجتمع جديد متن روابط التقارب بين المشرق وبلاد المغرب، وأحكم جسور التواصل على مدى الأحقاب.
وأشار إلى أن العلاقات بين العراق وتونس لم تنقطع أبدًا، ولعل أبرزها في العصر الحديث إقامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي ببغداد سنوات عديدة كان فيها الزعيم العربي والإسلامي المحبوب والمؤثر، وأن تفاعل شعراء العراق مع الشيخ الثعالبي ومع القضية الوطنية
التونسية، قبل حصول تونس على استقلالها في عام 1956، يقيم الدليل على أن العراق وتونس قطران شقيقان من أمة عظيمة واحدة.
وقالت الدكتورة حسناء داوود؛ مديرة مكتبة تطوان بالمغرب، إن الصحوة في المغرب حول العلاقات بين المشرق والمغرب بدأت في النصف الأول من القرن العشرين، بعدما شعر الكثيرين بالخطر الذي صاحب دخول الاستعمار الأجنبي، حيث سيطر الأجانب على جميع المصالح وفرضوا لغتهم، ولذلك حاولت فئة متفتحة في المغرب إحياء الروابط التي تجمع البلاد مع الأشقاء العرب للحفاظ على الهوية.
وأضافت أن هذه الصحوة أخذت في التزايد، وفي أوائل القرن العشرين وتحديدًا في عام 1920 كانت أول بعثة تعليمية من مدينة تطوان المغربية إلى نابلس الفلسطينية ومن هنا بدأت علاقة وطيدة مع فلسطين، وعقب ذلك تم إرسال بعثات إلى القاهرة التي كانت ومازالت تفتح أبوابها أمام العرب، وكانت مقصدًا لكثير من المغاربة الراغبين في التزود من العلم والدراسة في جامع الأزهر الشريف أو جامعة القاهرة.
وأكدت "داوود" أن علاقة مدينة تطوان بهذه المراكز من خلال البعثات التعليمية ساهمت في زيادة الروابط، فهذه البعثات عادت بثقافة عربية رصينة وقادت حركة الحفاظ على الهوية في المغرب. وحمل الطلاب عقب العودة لواء الدفاع عن القضايا المشتركة من بينها الكفاح ضد الاستعمار، وهو ما تمخض عنه إنشاء بيت المغرب بالقاهرة الذي كان له دور كبير في النشاط السياسي.
وأوضحت أن أول مدرسة تأسست في شمال المغرب هي المدرسة الأهلية في نهاية عام 1924، وكان صاحبها يستورد المناهج العلمية التي تدرس بالمدرسة من مصر وسوريا، وبعد أن تولى مدير للإدارة التعليمية في الشمال، حرص على استقطاب المناهج والمقررات والكتب التي كانت تدرس في القاهرة، وقام باعتمادها بجميع المدارس في الإدارات المغربية وخاصة في الشمال.
وألقت الدكتورة إكرام عدنني؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة بن زهر بالمغرب، ورقة بحثية حول "العلاقات المشرقية المغاربية: عوامل الدين والهوية واللغة"، موضحة أن العلاقات الروحية والدينية ببن المغرب الكبير والمشرق تعود إلى قرون رغم الجذور الأمازغية والقرب من الثقافة الأوروبية، وعلى الرغم من ذلك تضرب الهوية العربية في الجذور المغاربية.
وأضافت "عدنني" أن الرحلات الدينية لزيارة بيت الله الحرام جعلت هناك تواصل بين المشرق والمغرب، كما أن العلاقات مع مصر كانت متأصلة والدليل على ذلك وجود عدد كبير من الأضرحة في مصر لأئمة مغاربة أو ذوي أصول مغاربية، مؤكدة أن هذه الروابط كان ومازال يتم الحديث عنها ليس على مستوى القيادات السياسية وحسب ولكن على مستوى الشعوب.
وتحدث الدكتور عبد العزيز صلاح سالم؛ أستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، من خلال ورقة بحثية بعنوان "مظاهر إشعاع التراث الحضاري الإسلامي بين مصر والمغرب"، موضحًا أن الموقع الجغرافي كان بمثابة نقاط اتصال بين مصر والمغرب، حيث تعد كل منهما بوابة للانفتاح على البلاد الأخرى بالقارات البعيدة.
وأكد أن القواسم المشتركة بين البلدين كثيرة من بينها ما يظهر في تخطيط المدن مثل مدينتي فاس والقاهرة وكذلك تخطيط مدينة الرباط، كما ظهر في بناء المساجد والجامعات وغيرها من المباني.
كما شهد المؤتمر جلسة بعنوان "الترحال الثقافي بين المشرق والمغرب"، تحدث فيها كل من الدكتور محمد مرعي من سوريا؛ الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، والدكتور مصطفى وجيه من مصر؛ الباحث المتخصص في تاريخ العصور الوسطى، والدكتور هاني حمزة من مصر، والكاتب والمؤلف الدكتور أيمن فؤاد السيد. وأدار الجلسة الدكتور أشرف فراج؛ مدير إدارة مبادرة سفارة المعرفة بمكتبة الإسكندرية.
وألقى الدكتور محمد مرعي كلمة عن "ارتحال ابن خلدون إلى مصر: الدوافع والتفاعلات مع الوسط الجديد، والمخرجات"، ولفت إلى أن ابن خلدون لم يكن مجرد مشاهد أو مؤرخ بل فاعلاً وصانعًا للحدث، وكان منخرطًا في كافة الدسائس والمؤامرات التي حدثت في المغرب الإسلامي. وأشار إلى وجود عدد من الأسباب غير المباشرة لترحال ابن خلدون إلى مصر، ومنها أنه لم يكن يشعر بالانتماء للوسط المغاربي، وأنه حاول أن يكون له باع سياسي في المغرب ولم ينجح، وأن الجو العام في المغرب لم يكن مناسبًا لأفكاره.
وتحدث مرعي عن عدد من شواهد تفاعل بن خلدون مع البيئة المشرقية، ومنها كتابة "التعريف"، ورحلته لدمشق مع السلطان لمواجهة الغزو المغولي، واخيرًا مبادراته للتفاعل بين المشرق والمغرب والتي جعلت منه سفيرًا للمغرب الإسلامي في مصر.
وفي كلمته، تحدث الدكتور مصطفى وجيه عن "مصر كما شاهدها الرحالة الأندلسيون المدجنون"، حيث تناولت كلمته رحلة عبد الله الصباح من الأندلس إلى بلاد المشرق، ابتداء من المغرب ثم طرابلس والإسكندرية والقاهرة والحجاز ثم بيت المقدس ودمشق وبغداد.
ولفت إلى أن رحلة عبد الله الصباح وثقت العديد من الأوضاع في مصر في تلك الحقبة الزمنية، من خلال وصفه للأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية. وأضاف أن الصباح قدم وصفًا لتهر النيل، ونظام الزراعة، والانتاج، والأسواق والدكاكين، وغيرها من الأوضاع في مصر.
من جانبه، تحدث الدكتور هاني حمزة عن " رحلات المشارقة: رحلة بن عبد الباسط إلى المغرب"، حيث تناول رحلة عبد الباسط الظاهري من مصر إلى المغرب، والتي قام بها بسبب طلب العلم، ووصف فيها جزء كبير من الأحوال السياسية والاجتماعية في بلاد المغرب، ومنها الاضطرابات السياسية في تونس، وغارات القراصنة من الفرنجة على بلاد المغرب، والعادات الاجتماعية والاحتفالات في دول المغرب العربي.
وألقى الدكتور أيمن فؤاد السيد كلمة بعنوان "القاهرة بين ابن جبير وابن خلدون"، عقد فيها مقارنة بين وصف الرحالة المغاربة للقاهرة، وخاصة أوصاف جامع عمرو بين العاص، وجامع الحاكم بأمر الله، وجامع أحمد بن طولون، ومساجد الإسكندرية، ووسائل الانتقال في القاهرة، وغيرها.
كما عقدت مكتبة الإسكندرية خلال المؤتمر جلسة حوارية بعنوان "ترحال العمارة والفنون"، بحضور الدكتور زكريا عناني؛ أستاذ بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الإسكندرية، والدكتور محمد الجمل؛ مدير مركز الحضارة الإسلامية في مكتبة الإسكندرية والأستاذ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، والدكتور أسامة طلعت؛ وكيل كلية الآثار جامعة القاهرة، والدكتور إبراهيم سعيد؛ أستاذ بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وأدار الجلسة الدكتور محمد سليمان.
ألقى الدكتور زكريا عناني، ورقة بحثية عن "الموشحات بين المشرق والمغرب"، موضحًا أن الموشح بدايته غامضة؛ فمن المؤكد أن له شقًا عربيًا ولكن مع البحث في الدواوين والكتب القديمة تلاحظ وجود نصوص غير عربية تدخل في الموشحات، وهي ما رجحها شاعر الموشحات بن ثناء الملك بأنها لغة الأمازيغ في المغرب.
وأضاف "عناني" أن بن خلدون ذكر أن الموشح بعد أن انتشر تحول إلى العامية وشاع استخدامه في الأغاني ولكن البعض خالفه مؤكدين أن الأهازيج هي أصل هذا الفن، موضحًا أن مدينة الإسكندرية كانت بمثابة المكان الذي ينطلق منها فن الموشحات بعد أن قدم إليها السيلفي، وهو أحد شعراء الموشحات الإيرانيين، وتتلمذ على يديه الكثيرين الذي نقلوا الموشحات إلى المغرب العربي.
وتحدث الدكتور محمد الجمل؛ عن "التأثيرات الفنية والمعمارية بين المشرق والمغرب"، موضحًا وجود عدد كبير من المساجد في المغرب التي تتشابه مع مساجد مصر وسوريا، وهذا الطراز نقله عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس، حتى أن كثير من المؤرخين ذكروا أن المباني تؤكد أنه لم ينسى من أين جاء.
وأضاف "الجمل" أن هذا التشابه والتأثر الأندلسي بالمشرق لم يقتصر على المساجد بل انتقل إلى المباني وتخطيط المدن، مستعرضًا عدد من المباني التي بنيت في الأندلس وتتشابه مع مباني مصر وسوريا.
فيما تحدث الدكتور أسامة طلعت عن "تنوع العناصر المعمارية بين مشرق العالم العربي ومغربه"، موضحًا أن الجوار الجغرافي لا يؤثر فقط في الإنسان ولكن على الطراز المعماري، فالمباني ليست مجرد حجر ولكنها تعبر عن الإنسان الذي كونها وأنتجها.
وأضاف "طلعت" أن الفن الإسلامي مع بداية نشأته تأثر بالفنون الموجودة في ذلك الوقت، والتي كان أولها الفنون الموجودة في شبة الجزيرة العربية ومن ثم تأثرت بالفنون التي كانت موجودة في البلاد التي تم فتحها مرورًا بمصر والمغرب العربي وصولًا للأندلس.
وأوضح "طلعت" أن من أهم العناصر التي أثرت على العمارة الإسلامية هي تعاليم الدين الإسلامي وعمارة المساجد وما تبعها من تأسيس مدرسة معمارية جديدة، مؤكدًا أنه لا يوجد فن ولد من العدم ولكن كل فن معماري تأثر بما سبقه، والقاسم الأكبر المشترك بين المشرق والمغرب هو المسجد الجامع.
واختتم الدكتور إبراهيم سعيد كلمات الجلسة بإلقاء ورقة بحثية بعنوان "المغرب والمشرق العربي في نظر الرحالة الأوروبيين"، مستعرضًا بعد الرحلات التي قام بها الرحالة الأوروبيين إلى المشرق، مؤكدًا أن زيارة المشرق كانت حلم كل أوروبي.