قصص الأثرياء والناجحين دائما ما تحمل دروسا ملهمة في كيفية تحدي الظروف القاسية، واستغلال المحن وتحويلها إلى قوة دفع حقيقية نحو النجاح والشهرة والثروة، ولعل قصة ملكة الموضة العالمية، وصاحبة الاسم الشهير عالميا في مجال الأزياء والعطور "كوكو شانيل"، خير مثال على ذلك. الظروف الأسرية التي نشأت فيها "شانيل"، ربما كانت تنبئ بفتاة محطمة وليست مبدعة عالمية في مجال تصميم الأزياء والموضة، فقد نشأت طفلة في دور أيتام بفرنسا، ثم تحولت إلى مطربة في ملهى ليلي.
ولدت جابرييل بونور شانيل بفرنسا عام 1883، وتوفيت والدتها –التي كانت تعمل في مجال غسيل الملابس بمستشفى خيري- وهي في الثانية عشرة من عمرها، ثم تركها والدها وسافر بحثًا عن مصدر رزق. وعلى مدار ست سنوات، قاست “شانيل” مرارة العيش في دور أيتام، فكانت تقضي أوقات عطلاتها في تعلُّم فنون حياكة الملابس.
كان الهدف الأكبر الذي وضعته “شانيل” نصب عينيها في تلك الفترة، هو التخلص من حياة اليتم والفقر بشكل نهائي، وفعل المستحيل للانتقال إلى عالم الثراء.
في مرحلة لاحقة، عملت شانيل مطربة في ملهى ليلي، وفيه اكتسبت لقب "كوكو"، واستمرت ثلاث سنوات، دون أن تحقق نجاحًا ملحوظًا. بعد فشل “كوكو شانيل” في مجال الغناء، عادت إلى مجال الأزياء مرة أخرى، لتمارس مهنة الحياكة بدور أزياء فرنسية عام 1909، وفي العام التالي، صنعت قبعات مميزة، ثم بمساعدة أحد أصدقائها الأثرياء، أسست متجرًا في باريس لبيع تلك القبعات. وفي عام 1913، قررت "شانيل" تصميم ملابس نسائية رياضية تعتمد على البساطة والأناقة في آنٍ واحد، كانت تختلف عن الأزياء التقليدية المتواجدة بالأسواق، فلاقت تصميماتها إعجاب كثير من السيدات، ما دفعها لافتتاح متجر جديد في بلدة دوفيل بفرنسا. أحدثت تصميمات “شانيل”- التي اتسمت بالبساطة والعملية -ثورة عارمة في عالم موضة الأزياء النسائية التي ظلت مستمرة حتى وقتنا هذا، إذ أدخلت مفردات الملابس الرجالية مثل "البنطلون" و”الجاكيت” و”ربطات العنق” في الزي النسائي.. وكانت "شانيل" الأولى في استخدام أقمشة "الجورسيه" و"التريكوه" في أزياء النساء عام 1920. من ناحية أخرى، جعلت "شانيل" من اللون الأسود ملك الألوان، بعد أن تمثلت الثقافة السائدة –في ذلك الوقت- في اقتصار ارتداء الأزياء السوداء على المناسبات الحزينة فحسب.
في خطوة جديدة تنم عن طموح متزايد، اقتحمت "شانيل" صناعة العطور والمجوهرات، فأطلقت في عام 1922، أول عطر لها باسم "شانيل رقم 5"، الذي تهافتت على شرائه جموع السيدات، وحقق أرباحًا هائلة، كما اعتمدت “شانيل” في تصميم مجوهراتها على الرُّقي والفخامة، ثم افتتحت متجرًا جديدًا عام 1932. بسبب تميز “شانيل” وتحقيقها شعبية واسعة النطاق، ليس فقط على مستوى فرنسا، بل أيضًا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، تلقت عرضًا بملايين الدولارات عام 1931 من صاموئيل جولدوين، منتج أفلام سينما هوليوود، مقابل قدومها إلى هوليوود مرتين سنويًا، لتصميم أزياء نجوم ممثلي شركة الأفلام "إم. جي. إم"، فكانت من أبرز الممثلات اللاتي ارتدين أزياءها: كاثرين هيبورن، وجريس كيلي، وإليزابيث تايلور، وجلوريا سوانسون. في القرن العشرين، أدرجت مجلة “تايم” اسم “كوكو شانيل” ضمن أهم 100 شخصية مؤثرة على مستوى العالم، وتوفيت "شانيل" عام 1971، تاركة بصمتها الخاصة في عالم الموضة والأزياء، وأكثر من 200 متجر في جميع أنحاء العالم.