كشف تحليل لوكالة رويترز أن السوق قد تشهد حالة فزع - إذ إن التوقعات بانخفاض قيمة العملة تدفع رؤوس الأموال للخروج بما يفوق تحمّل البنك المركزي- إذا وصلت الاحتياطيات السائلة إلى ما دون تغطية الواردات لمدة شهرين كما ستتسبب الاضطرابات في تسارع تراجع الاحتياطيات عن معدله في أكتوبر الماضى نظرًا لأن الاضطرابات تؤثر سلبًا على إيرادات السياحة وتدفع المستثمرين الأجانب لبيع ما تبقى بحوزتهم من أذون الخزانة المصرية فمن المحتمل أن تحدث الأزمة بعد ثلاثة أشهر أو نحو ذلك.
وأشار التحليل إلى أن استمرار العنف والاضطرابات في مصر يهدد بانزلاق البلاد الى أزمة عُملة وهو ما قد يؤدي الى تراجع حاد في قيمة الجنيه المصري في الأشهر القليلة المقبلة ويدفع البلاد الى فرض قيود على رؤوس الأموال.
وأشار التحليل الى انه مع ترجيح زيادة هذه الاضطرابات -التي تثير الشكوك بشأن قدرة مصر على إدارة الانتخابات البرلمانية المقررة الاسبوع المقبل بسلاسة- ستزداد الضغوط على الاحتياطيات وقد تقرب البلاد من أزمة شاملة في الاشهر القليلة المقبلة بدلا من أواخر عام 2012 وهو الموعد الذي تنبأ بعض المحللين من قبل بأن يشهد ذروة الأزمة المتوقعة.
وكان سعر الدولار فى السوق المصرية قد شهد أمس ارتفاعًا ملحوظًا أمام الجنيه نتيجة أحداث التحرير ليكسر حاجز الـ6 جنيهات نتيجة الإقبال على شرائه تخوفًا من تداعيات سلبية للمظاهرات المندلعة حاليًا فى ميدان التحرير.
وتخشى السوق الآجلة التي تستخدمها البنوك للتحوط ضد تقلبات العملة من الوصول الى هذه المرحلة العام المقبل. فالاسعار هناك تشير الى سعر صرف عند 6.15 جنيه للدولار خلال ثلاثة اشهر والى 6.62 جنيه للدولار خلال عام
و كان البنك المركزي قد تمكن حتى الان عن طريق امداد السوق بالعملة الاجنبية من الحفاظ على القوة الشرائية للجنيه والحد من الضغوط التضخمية في مواجهة فرار رؤوس الاموال. وأبقى البنك المركزي الجنيه مستقرا بشكل ملحوظ في نطاق بين 5.92 و 5.99 جنيه للدولار منذ الاطاحة بمبارك. لكن الضغوط على الجنيه تتزايد بوضوح وسط تكهنات في السوق بشأن متى ستنفد أموال البنك المركزي التي يستخدمها لمواصلة دفاعه.
وتراجع الجنيه يوم الثلاثاء الى أدنى مستوى امام الدولار منذ يناير 2005. وحتى قبل الاشتباكات التي اندلعت هذا الشهر بين قوات الأمن والمتظاهرين والتي سقط فيها 36 قتيلا على الاقل منذ يوم السبت الماضي كانت مصر تتجه الى اضطرابات نقدية فالبنك المركزي يجاهد للحفاظ على استقرار الجنيه باستخدام احتياطياته من النقد الاجنبي التي تتراجع بحدة.
وقال فاروق سوسة كبير الاقتصاديين المختصين بالشرق الاوسط في سيتي جروب "حتى قبل هذه الاحداث كنا قلقين للغاية بشأن ميزان المدفوعات وتبدد الاحتياطيات."
وأضاف "العنف والضجيج السياسي سيبدد أي ثقة متبقية في الاقتصاد المصري وقد يؤدي في ظل الاوضاع الراهنة لتسارع خروج رؤوس الاموال." وهبطت احتياطيات مصر الصافية بالعملة الاجنبية من نحو 36 مليار دولار في بداية العام الى 22.1 مليار في أكتوبر اذ أثار العنف وعدم التيقن السياسي اللذين صاحبا الاطاحة بالرئيس حسني مبارك موجة خروج جماعي للمستثمرين الاجانب والسياح.
وتراجعت الاحتياطيات 1.93 مليار دولار الشهر الماضي وهو أكبر تراجع منذ أبريل وفقا لبيانات البنك المركزي.
ويرى رضا أغا الاقتصادي المختص بالشرق الاوسط وشمال افريقيا في بنك ار.بي.اس أن الاحتياطيات كافية لتغطية الواردات المصرية لمدة أربعة أشهر ونصف الشهر لكن الاحتياطيات السائلة -وهي العملات والودائع والاوراق المالية التي يمكن تعبئتها بسرعة لحماية الجنيه- تبلغ نحو 16.1 مليار دولار أي ما يغطي الواردات لمدة 3.2 شهر وفقا لحساباته.
وكتب أغا في تقرير الاسبوع الماضي يقول "الاحتياطيات المصرية لم تصل بعد الى المستويات المفزعة لكنها معرضة بشدة لخطر خروج رؤوس الاموال." وتعكس سوق الاسهم كذلك الحالة القاتمة. فالمؤشر الرئيسي للبورصة الذي نزل 46 % هذا العام ارتفع 17 % في أكتوبر تشرين الاول لكنه تخلى عن أغلب هذه المكاسب في الاسبوعين الماضيين. والمساعدات الدولية لمصر يمكن أن تكسبها وقتا غاليا وتبقيها في حالة جيدة حتى تجرى الانتخابات ويعود الاستقرار السياسي. لكن مصر رفضت عرضا ببرنامج تمويل بقيمة 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي الصيف الماضي فيما يرجع جزئيا بحسب ما قاله مسؤولون في احاديث خاصة الى الكرامة الوطنية. وقال وزير المالية في ذلك الوقت ان المجلس العسكري الحاكم في مصر لا يريد مراكمة الدين. لكن التراجع الحاد في الاحتياطات أدى الى اعادة النظر فقال وزير المالية حازم الببلاوي هذا الاسبوع ان مصر ستطلب رسميا من صندوق النقد البدء في التفاوض على برنامج يشبه الذي رفضته من قبل.
وأشار الصندوق الى أنه لن يفرض شروطا مشددة على القروض. ولدى الحكومات الغنية في الخليج وفي المجتمع الدولي بشكل عام دوافع سياسية قوية للمحافظة على الاستقرار في مصر فقد تلقت البلاد من حيث المبدأ عروض مساعدات تفوق قيمتها الاجمالية عشرة مليارات دولار من قطر والسعودية والامارات العربية المتحدة ومصادر أخرى. لكن التدفقات الفعلية للمساعدات تصل ببطء فيما يرجع جزئيا بحسب تكهنات المحللين للتوترات السياسية بين الحكومات في مصر ودول الخليج. وتلقت مصر حتى الان مليار دولار لدعم الميزانية من السعودية وقطر وقالت الامارات الشهر الماضي انها تعتزم تقديم ثلاثة مليارات دولار لكنها مازالت تناقش آليات التسليم.