سادت حالة من الاستياء بين العاملين والقيادات العليا للبنوك العامة نتيجة إعلان الحكومة اعتزامها تطبيق حداً أقصى للأجور فى هذه المصارف بالتزامن مع فرض حداً أقصى للأجور على العاملين بالجهاز الادارى للدولة والذين يزيد عددهم عن 6 ملايين موظف، خبراء مصرفيون أكدوا إمكانية أن تتأثر نتائج أعمال البنوك العامة وعلى رأسها بنكى "الأهلى" و"مصر" نتيجة تطبيق الحد الاقصى للأجور حيث سيؤدى ذلك الإجراء إلى نزوح الموظفين والادارات العليا لهذه البنوك إلى البنوك العربية والأجنبية العاملة بالسوق المصرية، بل ومن الممكن أن يتخطى الأمر ذلك ويختار هؤلاء الموظفين العمل فى دول أخرى.
ويؤكد الدكتور فؤاد شاكر، أمين عام اتحاد المصارف العربية السابق، إنه من غير المقبول أن يتم تحديد حداً أقصى للأجور فى المصارف بصفة عامة، وذلك لأن هذا سيحد من طموحات الادارات العليا بها، وكذا كافة الموظفين الذين يطمحون فى الحصول على رواتب عالية نظير العمل بجد وتحقيق نتائج أعمال جيدة لمصارفهم .
وأشار شاكر فى تصريحات خاصة إلى أن هذا الاجراء الذى تعتزم مصر تطبيقه من شأنه التأثير على المصارف العامة، لأنه من الممكن أن يتسبب فى انتقال موظفيها إلى البنوك الخاصة (عربية وأجنبية) فى السوق نظراً لعدم تحديد سقف لرواتب موظفيها ،وأردف شاكر :"هناك اجراءات اعتبرها كافية وقد أقرها البنك المركزى المصرى فى وقت سابق، هذه الاجراءات تتمثل فى الإعلان عن مرتبات أكبر 20 موظف فى كل بنك سنوياً وهذا من شأنه أن يعطى مؤشراً أكثر شفافية عن المرتبات التى يتقاضاها القيادات العليا بالمصارف ،ومدى ملائمتها لنتائج أعمال البنك من عدمه".
الدكتور فؤاد شاكر أكد أن الحكومة لجأت إلى هذا الإجراء لترضى الرأى العام، لكنها ستجبر حتماً فى المستقبل القريب عن تنفيذ هذه الاجراءات مؤكداً أن مثل هذه الاجراءات تعتبر ردة اقتصادية وعودة إلى الاشتراكية، حيث كانت الحكومة المصرية تصادر دخل أى مواطن يزيد عن حد معين، وهو الأمر الذى كان يؤثر على طموحات المواطنين ويقلل من انتاجية العامل نظراً لأنه يعلم أنه لن يستطيع الحصول على دخل أكبر .
وأشار فؤاد شاكر أن كافة الدول العريبة وكذا دول الغرب تبتعد عن وضع حدود قصوى لأجور العاملين فى البنوك، فى حين لا تجد غضاضة فى وضع اشتراطات واجراءات من شأنها تحقيق العدالة فى حصول كل موظف على الأجر الذى يتناسب مع طبيعة عمله وكذا مع انتاجيته.
وأضاف أمين عام اتحاد المصارف العربية السابق أن أحد الأسباب التى دفعت الحكومة المصرية إلى التفكير فى فرض حدود قصوى للأجور هو العجز الكبير والمتنامى فى الموازنة العامة للدولة، هذا العجز الذى تجاوز الـ 142 مليار جنيه بحسب الاحصائيات الحكومية، لكن ذلك ليس السبب الأهم فالسبب الأهم هو الضغط الجماهيرى، نظراً لأن هناك شعور عام بعدم الرضا نظراً للتشوهات فى هياكل الأجور بمصر.
وقد بادر طارق عامر رئيس البنك الأهلى المصرى منذ أيام بالإعلان عن اعتزامه عدم الاستمرار فى منصبه، وأنه سيستقيل بعد عام من الآن رغم أن مدة خدمته كرئيس للبنك تمتد إلى 3 سنوات، وعزا بعض الخبراء اعتزام عامر الاستقالة إلى الضغوط التى تحاصره من كل جانب، والتى يأتى من ضمنها فرض حد أقصى للأجور حيث ترى إدارة البنك أن ذلك سيؤدى إلى هروب كبار الموظفين ومن ثم سيؤثر على أعمال البنك الذى حقق أرباحاً صافية بعد الضرائب خلال عام 2011 تبلغ مليارى جنيه مصرى.
وكان أحمد المصرى مدير عام قطاع القروض المشتركة بالبنك نفسه قد قرر قبل أشهر، ومع ارتفاع الأصوات المنادية بتطبيق حد أقصى للأجور، الانتقال إلى مصر" الوطنى للتنمية" الذى يمتلكه بنك ابوظبى الاسلامى ليتولى رئاسة أحدى الشركات التابعة، كذا فإن بنك "مصر" وهو ثانى أكبر البنوك يجد مشكلة كبيرة نظراً لقضية الحد الأقصى للأجور، فى اختيار نائب ثانى لرئيس مجلس الإدارة، حيث أبدت شخصيات بنكية اعتذارها فى وقت سابق عن شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة البنك رغم أهمية الموقع .
وفى المقابل تبرز ثمّة أراء أخرى تنادى بضرورة تطبيق الحد الأقصى للأجور على البنوك العامة، مقللة من تأثيرات ذلك على نتائج أعمال المصارف، حيث تقول بسنت فهمى الخبيرة فى الصيرفة الاسلامية أن تطبيق حد أقصى للأجور من شأنه أن يضبط الشئون المالية فى المصارف العامة نظراً لأن هذه المصارف كانت تمنح أجوراً عالية للغاية لقياداتها، حيث يشغل رئيس البنك أكثر من موقع فى الشركات التابعة وهو ما يجعله يتحصل على مبالغ خيالية شهريا، الأمر الذى يستلزم وقفة من جانب الحكومة والدولة.
وقللت فهمى من تأثيرات ذلك على المصارف قائلة :"المصارف العربية والاجنبية فى السوق لا تمنح مرتبات خيالية، وبالتالى فمن يريد الخروج من المصارف العامة منتقلاً إلى غيرها فالباب مفتوح أمامه " وأشارت فهمى إلى أن هناك الكثير من المصرفيين يتمنى العمل فى المصارف العامة نظراً لكبر حجمها فى السوق، وسهولة تحقيق نجاحات فيها .