صورة أرشيفية
أكد عالم المصريات الدكتور أحمد صالح أن الأحداث عبر التاريخ أثبتت أن الشعب المصرى، صبور، ويتميز بالتريث ولا يرضى بالذل والهوان، وأنه يتجاوز جميع الأوضاع الصعبة، ولكنه بعد فيض الكيل به يثور لتغيير الواقع والخلاص منه، مشيراً إلى أن المصريين القدماء كانوا حريصين على موالاة الصالح من الحكام نابذين الطالحين منهم.
وقال صالح، فى تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم، السبت، إن نظام الحكم فى مصر القديمة، بدءاً من الأسرة الأولى وحتى الأسرة الثلاثين، كان ملكياً قائماً على وراثة الحكم من الأب إلى الابن الأكبر من الزوجة الملكية، ولكن هناك بعد الفترات حدث بها عدم استقرار مثل ما حدث فى الأسرة السابعة، حيث كان هناك 70 حاكماً لمصر فى 70 يوماً أى كل ملك يحكم يوماً.
وأضاف أن هناك بعض الاستثناءات عن القاعدة الرئيسية لتولى الحكم عن طريق الوراثة، فهناك أشخاص تولوا حكم مصر من خارج الدم الملكى، ومنها القائد العسكرى حور محب الذى لا يرتبط بالأسرة الملكية وتولى حكم مصر (الأسرة 18)، ولا يوجد رابط بينه وبين حاكم الأسرة الـ 19.
وأشار إلى أن الشعب المصرى ثار على الحكم الفرعونى ما بعد الأسرة السادسة حتى الأسرة 12، وطالب بحاكم عادل وتعديل "الماعت" - الدستور - وحدثت فى تلك الفترة حالة من الجدل وعدم الاستقرار ومناقشات لأفكار متطورة للحكم، مشيراً إلى بردية "الحديث مع البا" الروح أو ذات"، والتى توضح ما حدث للمجتمع المصرى خلال فترة الثورة من خلط للقيم والعادات واستشراء لمظاهر الفساد وتوتر فى العلاقات الاجتماعية وعدم الأمان.
وأكد أنه فى نهاية تلك الثورة نجح المصريون فى تغيير نظام الحكم وتولى حكم مصر أمنمحات الأول مؤسسة الأسرة الـ 12، وهو أول حاكم من الشعب، وتم خلال تلك الفترة تنفيذ أكبر مشروع اقتصادى فى الشرق الأوسط لاستصلاح 100 فدان دفعة واحدة "محافظة الفيوم حاليا".
وكشف صالح عن مواصفات الحكام وطريقة الحكم فى مصر القديمة، مشيراً إلى أنه كان يتم إعداد ولى العهد ثقافياً إدارياً وعسكرياً من خلال إدارة بالقصر الملكى متخصصة فى هذا الشأن لتأهيله لتولى الحكم، وكان من أهم مواصفات الحاكم أن يكون مثقفاً، وعدم فرض الرؤية الدينية له وأن يقبل بالتعددية، خاصة أن الشعب المصرى متدين بطبعه، لذلك كان لابد للحاكم إحياء الشعائر الدينية لكل الآلهة لإرضاء المصريين جميعا، موضحا أنه عندما حاول الملك إخناتون أن يفرض الإله "آتون" على المصريين ثار الشعب المصرى ضده ورفض ولم يقبل ذلك.
وأوضح أنه كان هناك فريق عمل للحاكم مكون من (عائلته وأصدقائه فى الطفولة) يعملون كمستشارين له فى إدارة مقاليد الحكم، ولم يكن يعتمد على آراء مستشاريه فى الإدارة والحكم، ولكن كان يأخذ رأيهم فى أرض المعركة فقط، وكان رأيا استشاريا فقط غير ملزم، مشيراً إلى واقعة الملك تحتمس الثالث فى معركة "مجدو"، حيث جمع ضباطه للتعرف على آرائهم فى خطة المعركة، ولكن فى النهاية نفذ رأيه الذى حقق به النصر فى المعركة.
وذكر أنه حدثت بعض المشاكل للملك بسبب مستشاريه ففى عهد الملك إمنمحات الأول تعرض لمؤامرة اغتيال، ويبدو أنها نجحت حيث ترك وصية لابنه سنوسرت الأول يوصيه فيها بالحذر من الأشخاص وحراس القصر وغرفة النوم، وربما ترك تلك الوصية قبل أن يموت أو إن ابنه كتبها قبل وفاة والده ونسبها له، فيما حدثت محاولة اغتيال أخرى للملك رمسيس الثالث من قبل بعض مستشاريه ولكنها فشلت حيث تم اكتشافها وتم تحويلهم جميعا للمحاكمات.
وأشار عالم المصريات الدكتور أحمد صالح إلى أن أفضل فترة حكم عاشها المصريون هى فترة الدولة الحديثة التى تضم الأسرات الـ ( 18 – 19 – 20 ) والتى استمرت حوالى 500 عام، وذلك بسبب النهضة الاقتصادية والعدالة التى شعر بها الشعب، مشيرا إلى أنه كان هناك محاكم للمرأة، للعمال، للميراث، وللفاسدين.
وأكد أن تلك الفترة شهدت انتقال للسلطة بطريقة سلسلة، وتوسع مصر فى الخارج، حيث امتدت الإمبراطورية المصرية إلى منتصف لبنان وسوريا وثلث ليبيا، وثلثى السودان، الأمر الذى جعل اقتصاد تلك البلاد يصب فى مصلحة الشعب، كما حدث انتعاش للاقتصاد المصرى من خلال التجارة الخارجية وتبادل المنتجات المصرية والآسيوية والإفريقية .
وتابع أنه كان هناك تقسيم إدارى جيد للدولة، وتم تقسيم النوبة إلى جزأين "شمالية وجنوبية"، يحكمها شخص واحد يلقب بـ"نائب الملك فى كوش" يعين عمدة لكل جزء لمتابعة شئون البلاد بطريقة سليمة، مشيراً إلى أنه تم تخصيص إدارة للصحراء وسيناء من ضمن مهامها إعداد الطرق للمناجم والمحاجر والموانئ.