التاريخ : الاثنين 22 augu 2011 04:49:26 مساءً
لست ضد ما بلغه المجلس الاعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف من قرارات فى أزمة شهداء الحدود.. ولست مع أولئك الذين تأخذهم الحمية للدعوة الى إسقاط إتفاقية سلام بيننا وبين عدونا الأكبر إسرائيل.. ودق طبول الحرب.. لأن مصر بإختصار وهى تمر بمرحلة مخاض الثورة.. ليست فى حاجة الى تشتيت تركيزها وتعطيل مسيرتها.. لتبلغ مرتبة دولة العدل.. والعلم.. والقانون.
فالمجلس العسكرى تصرف "بحكمة" رغم أن الشعب صار يكره تلك الكلمة التى كانت تعنى فى عصر مبارك "الذل والخضوع والتفريط فى دماء المصريين".. لكن الفرق بين حكمة "مبارك" وحكمة الحكام الجدد أنهم لم يقمعوا الشارع وتحركوا على كافة الأصعدة لإجبار إسرائيل على الإعتذار على جريمتها.. بينما كانت "القطفة الأولى" لموقف حكومة شرف متماشية مع غضب الشارع، بالإعلان عن سحب السفير المصري من تل أبيب.. رغم تهذيب وتقويم القرار فيما بعد.. والتراجع عنه.
أدرك العسكر – وهذا ظنى - أن ما حدث على الحدود كان بالون إختبار للنظام الجديد فى مصر.. ولعبة سياسية.. فقدموا أداءا متزنا دون تفريط.. هادئا بلا جعجعة.. وردوا على بالون الإختبار الصهيونى بمثله.. عندما صدّروا قضية حماية الحدود وضرورة زيادة حجم القوات العسكرية فى سيناء، وأجبروا إسرائيل على قبول تجاوز إتفاقية السلام من أجل مصلحة الطرفين.
لم يكن فى مصلحة القاهرة وتل أبيب أن يتم تسخين الامر فى المرحلة الحالية أكثر مما وصلت إليه.. مع سعى كل طرف الى الإيحاء لوسائل الإعلام لديه أنه لم يفرط ولم يتهاون فى حقه.. فالقاهرة أصرت على إعتذار قادة اسرائيل.. والاسرائيليون أكدوا أنهم من يمنحون الإذن للمصريين بمزيد من التواجد العسكرى فى سيناء.
فى القاهرة إستفاد العسكر بظهور أصوات باتت تطالب بتولى شخص عسكرى رئاسة الجمهورية.. أو السير خلف المسار السياسي الذى يحدده قادة "المجلس العسكرى" حتى يعود سريعا لحماية الحدود التى صارت مهددة.. بينما فى تل أبيب نجحت حكومة نتانياهو فى خفض صوت الثورة الإجتماعية فى إسرائيل، بوضع الهم الأمنى فى الصدارة.
إنها لعبة سياسية إسمها كيف تحول أى شئ - بما فى ذلك الأزمات - الى مصلحتك.. تجاوزتها مصر بعد الثورة بأداء متزن لا تفريط فيه ولا تخريف.. وتلقت منها إسرائيل ردود أفعال كانت تريد قياسها بدقة.. وهى التى ستحدد ملامح التعامل مع مصر الجديدة فى المستقبل.
وستشهد الأيام القادمة نوعا أخر من قياس ردود الأفعال والقدرات فى الساحة الدولية.. وقدرة الدبلوماسية المصرية الجديدة على التأثير على الرأى العام.. فى مواجهة قدرة آلة الإعلام الصهيونية على تشكيل الوعى العالمى والتأثير عليه.. بينما سيسعى المصريين الى إقتناص تعديلات جوهرية على إتفاقية السلام وخاصة فيما يتعلق بحجم القوى الأمنية فى المنطقة "ج" الحدودية والتى لا يتواجد فيها أكثر من 750 شرطى فقط بأسلحة خفيفة.. لضبط الحدود.. وفى هذا مصلحة للقاهرة.. قبل أن تكون مصلحة لتل ابيب.
تلك بإختصار حدود ما يدور على الجبهة الاسرائيلية – المصرية.. نوعا من قياس القدرات وردود الأفعال.. ستنتهى ربما خلال ساعات.. وستختفى معها – بشكل مفاجئ - المظاهرات والاعتصامات أمام مقر السفارة الاسرائيلية ومنزل السفير.. وخرافات المتحدثين حول معاهدة السلام.. وسيعود علم الكيان الصهيونى الى موقعه مرة أخرى.. وربما تكون تلك هى المرة الأخيرة التى نرى فيها الشاب "احمد الشحات".. قبل أن يصدر البيان رقم "73" للمجلس العسكرى بعد طول غياب بخصوص الصينية بميدان التحرير.
تلك هى السياسة.. للأسف.
|