التاريخ : السبت 03 september 2011 08:51:10 مساءً
صار موقف قيادات "المجلس الأعلى للقوت المسلحة" المكلف بإدارة شؤون البلاد من أزمة شهداء الحدود الذين قتلتهم جنود صهاينة إخترقوا الحدود المصرية منتصف الشهر الماضى، محرجا وصعبا بعد أن قامت تركيا بسحب سفيرها من تل أبيب، وتعليق كافة الاتفاقات العسكرية معها، بعد نشر تسريبات بخصوص تقرير "بالمر" الصادر عن الأمم المتحدة، حول الهجوم على السفينة التركية "مرمرة" التى هاجمها الصهاينة قبل عامين وهى فى طريقها لكسر الحصار على قطاع غزة، وقتلوا فيه عددا من النشطاء بينهم تسعة أتراك، حيث فاجأ التقرير العالم أجمع بالحديث عن شرعية الحصار الاسرائيلي البحرى لغزة، وإن أشار الى أن تل أبيب استخدمت "قوة مفرطة" فى هذا الهجوم فى إطار حقها فى "الدفاع عن النفس"، الى جانب رفض قيادات اسرائيل الاعتذار رسميا عن الهجوم والإكتفاء بـ"الأسف لسقوط ضحايا".
فالموقف التركى الذى لقى حفاوة كبيرة بين الشعوب العربية والاسلامية، جاء بعد موقف مشابه هدأت فيه النبرة المصرية وكأنها قبولا لـ"أسف" إسرائيل لما حدث على الحدود.. وهو "أسف" مشابه لما رفضه الأتراك.. الامر الذى فرض مقارنة بين حالتين الفارق بينهما كبير، خاصة أن تركيا ليست دولة مواجهة مع إسرائيل ولم تخض ضدها حروب من قبل، كما أنها ليست طرفا فى معاهدة تفرض حالة سلام بين الطرفين بعد ثالث مواجهات عسكرية مباشرة.
ولا يمكن عزل المواقف والمستجدات الدولية الحالية بالمنطقة عن رد الفعل التركى، فى ظل شرق أوسط خالى من دولة محورية، مع إنشغال الدول الكبرى مثل "مصر" و"سوريا" بالثورات الشعبية، و"السعودية" برصد نتائج تلك الثورات وتأثيراتها عليها ومنافعها منها، وتوقعات بصعود كبير لتيارات الاسلام السياسي التى تتوحد مع النظام التركى الحالى فى الأصول الفكرية والشرعية، وكذلك تأثير خطوات كتلك فى دعم القوى المتوافقة مع النموذج التركى الذى أصبح هو القدوة والمثال فى المنطقة، كدولة يرفض حكامها إهانتها أو التفريط فى حقوق مواطنيها والخضوع لإملاءات الخارج وضغوط القوى العظمى.
فى المقابل فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المكلف بمهمة مؤقتة لا تفرض عليه إدخال البلاد فى مواجهة مباشرة مع العدو الأكبر فى المنطقة، وإن كانت تؤهله لإتخاذ مواقف أكثر قبولا للشارع المصرى، عبر إستخدام آليات التصعيد الدبلوماسي وفى مقدمتها إستدعاء السفير المصرى من تل أبيب ولو للتشاور، وطرد السفير الإسرائيلى من القاهرة، لحين تقديم إسرائيل إعتذارا مكتوبا عن جريمتها، والتحقيق فى الحادث، ومحاكمة المسؤولين عنه بشكل مباشر.
بشكل عام وبعد أن عرف المصريون الفارق بين الأسف والإعتذار.. قد ينتهى الموقف الحالى بتصعيد "المجلس العسكرى" من نبرته المطالبة للدولة العبرية بالإعتذار، والضغط عليها لوقف إختراقات الحدود وعدم تكرار تجاوزتها والسماح لغضبط الشارع بمزيد من "التفريغ".. بينما "ستتفرغ" تركيا خلال الاسابيع القادمة لجسات الضغوط والمساومات وجنى ثمار موقفها السياسى "المهضوم" من رجل الشارع، وهى تسترجع أيام الإمبراطوية العثمانية.. لكن بأى حال من الاحوال لن تخوض تركيا مواجهة ما ضد إسرائيل.. ولن تتحرى سوى مصالحها الإقليمية.. ولن ترضى عن لعب دور "كبير المنطقة".. وإنتزاع لقب حامى حمى الكتلة السنية فى العالم مع تراجع دور "مملكة آل سعود".. فى مقابل الدور الإيرانى "الشيعى".
غدا.. قد تفرض "مصر جديدة" مع مؤسسة أزهر قوى.. تعديلا فى تلك الخطط والمعادلات الكونية.. ولحين هذه اللحظة.. هنيئا لتركيا ما ستحصده.
ملحوظة : ما تم تسريبه حول تقرير "بالمر" يمثل صفعة دبلوماسية "للعرب والأتراك" فى الأمم المتحدة.. وإستمرارا لمعاملة إسرائيل بإعتبارها دولة فوق الشرعية وفوق الأمم المتحدة ذاتها
|