التاريخ : السبت 03 september 2011 08:54:20 مساءً
تجاهلت لفترة -قد يراها البعض طويلة- حملات الافتراء الظالمة التى يقوم بها نفرٌ من الناس الذين تنقصهم الدراية والمعرفة ضد واحد من أبرز الشخصيات التى صنعت لمصر -على مدار ما يقرب من ثمانى سنوات- ما يُؤمّنها الآن فى هذه الأوقات العصيبة التى تراجع فيها الناتج المحلى الإجمالى وتباطأ فيها النشاط الاقتصادى من عوز الاستدانة والانهيار الاقتصادى.. لا أبالغ إذا قلت إنه نقطة الضوء الوحيدة التى استمر الرهان عليها فى ظل النظام السابق.. إنه الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى، الذى استطاع أن يصنع لوطنه سياسة نقدية واضحة المعالم أصبحت محل تقدير المؤسسات الدولية المعنية وفى مقدمتها "صندوق النقد الدولى".. واطلعت بصفة شخصية على عدد من تقارير الإشادة عن أداء السياسة النقدية المصرية فى الفترة من 2004 وحتى الآن وسوف أُظهر هذه التقارير للرأى العام عندما يترك الرجل موقعه كما طلب منى لأنه يكفيه ما حقّق لوطنه.
مَن يُغامرون بتوجيه الاتهامات وإلقائها دون بيّنة هم جزء من هذه اللحظة التى نعيشها الآن، وثمن لابد من دفعه مقابل عظمة ما تحقّق من إنجاز على يد ثورة 25 يناير، لقد أطلقت هذه الثورة أصوات الجميع من ينطق بالحق، ومن صمت لينطق كفرًا عندما جاء الوقت ليتكلم، ولعل هذا ما جعلنى أتفادى مُواجهة تلك الحملات لأن فى هذه الفترات الانتقالية تطبع "الديماجوجية" الكثير من الآراء، ووسط الضجيج لا تُسمع غالبًا كلمات العقل والمنطق لولا أن أحد أصدقائى قال لى إننى مَدين بما أعرف لناس قبل فاروق العقدة الذى أراه قمة سامقة فى اقتصاد الوطن لا تحتاج إلى دفاع عنها، خاصة فى مواجهة حملات يظهر جليًا أنها تعوزها الدراية والمعرفة.. ولكننى وجدت أنه يتوجب علىّ إيضاح بعض الجوانب الحاسمة التى من حق الرأى العام أن يعرفها الآن.
الدكتور فاروق العقدة -لمن لا يعرف- لم يكن مُرشح رجال الأعمال أو حتى جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع، فى عام 2003، وكان موقع محافظ البنك المركزى بعد خروج إسماعيل حسن، المحافظ الأسبق للبنك، من منصبه شاغرًا لفترة طويلة اضطرت الدولة لملئه بعد عدة أشهر بنائب المحافظ الأسبق الدكتور محمود أبوالعيون، ولم يستمر طويلاً فى منصبه وبعد مفاوضات مع بعض الأسماء من بينها عبدالحميد أبوموسى، محافظ بنك فيصل الإسلامى، لم تُكلل بالنجاح، تم اللجوء إلى شيخ المصرفيين الدكتور حسن عباس زكى، لاستطلاع رأيه حول قيادة مصرفية يمكن ترشيحها لهذا المنصب، وكان فاروق العقدة هو ترشيحه الوحيد وتم الأخد بهذا الرأى ليصل الدكتور فاروق العقدة إلى منصب محافظ البنك المركزى بعيدًا عن ترشيحات فريق الفساد أو أى نوع من الإملاءات.
و "العقدة" كشخصية وطنية برهن على التجرد الشديد للمهمة التى جاء من أجلها، وهى صناعة سياسة نقدية قوية لمصر بعيدًا عن استقطابات وتجاذبات السياسة، ويكفى أنه تسلّم الاحتياطى النقدى من العُملات الأجنبية دون الـ 16 مليار دولار، وهو الرقم الرسمى المُعلن خلاف التزامات بالنقد الأجنبى لم يتم خصمها فى حينه وصعد به إلى أكثر من 36 مليار دولار فى ديسمبر 2010 بفضل الاستقرار النقدى الذى استطاع أن يوفره للاقتصاد الوطنى، وكان أبرز نتائجه تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر بعد أن أصبح فى مقدور المستثمر الأجنبى الدخول إلى السوق المحلية دون معاناة تقلب أسعار الصرف والتضحية بأرباحه عند التحويل إلى الجنيه وقت الدخول ثم التحويل إلى عُملات أجنبية مرة أخرى عند الخروج مُتحملاً خسارة أسعار صرف العُملة المحلية من فترة لأخرى.
"العقدة" هو من استطاع أن يرتفع بقيمة الجنيه من نحو 7.25 جنيه للدولار إلى نحو 5.7 أى نحو 23 % من قيمته بعد أشهر قليلة من تطبيق آليات تحرير أسعار الصرف وتمكّن بالتبعية من القضاء على السوق الموازية للدولار أو ما كنّا نُطلق عليها "السوق السوداء" التى كانت مرتعًا للمضاربات على حساب العُملة الوطنية.
"العقدة" أيضًا ونتيجة لسياسته النقدية الناجحة تمكّن معه ميزان المدفوعات من تحقيق فائض كُلى تجاوز فى بعض الفترات 3 مليارات دولار بينما الشائع قبل توليه هذه المهمة كان هو العجز المُزمن لهذا الميزان.
والسؤال: هل لم يتصد "العقدة" للفساد؟! فى حدود مهامه فعل بتشديد الرقابة على البنوك والعمل على تقليص تركّز الائتمان داخلها ووضع سقفًا لعدم تجاوز العمل والأطراف المُرتبطة به حدًا مُعينًا هو 10 % من القاعدة الرأسمالية للبنك التى تضم رأس المال والاحتياطيات لينهى بذلك مرحلة من التجاوزات التى سادت خلال التسعينيات داخل السوق المصرفية وتسببت فى كارثة التعثر التى مازلنا نعانى بعض آثارها إلى الآن.
لم يكن فى يد "العقدة" أو غيره من الإصلاحيين فى عصر الفساد أن يتولوا ما صنعه الشعب مُجتمعًا فى ثورة 25 يناير وإلا فإن أصابع الاتهام يمكن توجيهها الآن إلى العديد من الأطراف منها المشير محمد حسين طنطاوى، نفسه، رئيس المجلس العسكرى، الذى انتصر فى وقت حاسم لإرادة الشعب أو حازم الببلاوى، وزير المالية، الذى كان فى مُقتبل حكم الرئيس المخلوع رئيسًا لبنك تنيمة الصادرات.. وغيرهما.. بل وكل واحد منّا عاش هذا العصر وشارك فيه.. لا مصادرة على حرية الرأى والنقد، ولكن علينا ألاّ ننزلق إلى مهاوى تصفية الحسابات خصمًا من رصيد الوطن وكل من قدّم جهدًا مخلصًا من أجله..
لعلى بذلك أربأ بنفسى عن تُهمة من عرف وسكت..
|