التاريخ : الأحد 11 september 2011 07:46:56 مساءً
فى المقالات الأربعة، ذكرت خمسة عشر عنصرا فى سياق تعريف عميق للثورة، استفدت فيه من خبرات الثورات الإنسانية، لاسيما تلك التى وقعت خلال القرون الأربعة الأخيرة، وهنا أكمل. 16- قد تختلف الأسباب التفصيلية والصغيرة التى تؤدى إلى اندلاع الثورات، لكن الأسباب العامة والأساسية تتشابه إلى حد كبير. وسعى المفكرون والخبراء للإجابة عن سؤال مفاده: ما الظروف التى تحدث فيها الثورات؟ وتنوعت إجاباتهم بقدر تنوع أيديولوجياتهم والبيئة السياسية التى عاشوا فيها، والتجربة الحياتية التى مروا بها. فها هو ماركس يتنبأ بثورة للبروليتاريا ضد الطبقات البرجوازية والدولة الرأسمالية، لكن نبوءته لم تتحقق حتى الآن. وقد وجد برينتون نقاط التقاء بين مختلف مراحل الثورات الإنجليزية والأمريكية والفرنسية والروسية، وتنبأ بأن الأخيرة سيكون لها تأثيرها الخارجى الكبير وهو ما وقع بالفعل، وخلص إلى أن إحدى علامات الثورة هى وجود نخبة تسرب شك عارم إلى نفسها حيال شرعية السلطة القائمة، وتؤمن بأن التحرك لإسقاطها بات واجبا. وينتهى جونسون من دراسة الثورات الروسية والفرنسية والصينية إلى أن الأوضاع فى البلدان الثلاثة كانت تنذر بالتمرد والعصيان قبل اندلاع الثورة. وتحدث جور عن أن الثورة تقوم حين يبلغ الاحتقان النفسى من النظام الحاكم مداه. وهناك كثيرون أوردوا فى تحليلاتهم للثورات عوامل عابرة مثل العواقب الاجتماعية والاقتصادية الوخيمة للنمو السكانى السريع، وحالة الشك والغموض والالتباس التى تعقب الحروب، وأى عناصر أخرى تشكل ضغوطا شديدة على النظام السياسى ليس بوسعه تحملها، ومن ثم لن يجد مفرا من الانهيار. 17 - يعتقد كثيرون أن «صندوق الانتخاب الشفاف» بات بديلا عن الثورة فى المجتمعات الديمقراطية، أو هو «الثورة الجديدة» فى التاريخ البشرى التى أنهت الأنماط التقليدية المعروفة من الثورات. فالمواطنون هناك لا يحتاجون إلى الثورة على من بيده مقاليد الأمور حتى يخلعوه من منصبه، ويكفيهم الصبر عليه حتى تنتهى فترة حكمه التى تحددها الدساتير، ثم يصوتوا لرحيله، أو لإزاحة الحزب الذى يمثله عن السلطة. وقد ظهر كتاب بهذا المعنى شارك فى تأليفه عدد من أبرز علماء السياسة والاجتماع والمؤرخين، ممن صرفوا معظم حياتهم يدرسون العمليات الثورية، وهو كتاب «مستقبل الثورات» الذى حرره جون فوران. وقد حاول هؤلاء الإجابة عن سؤالين مهمين، يتعلق الأول بالعوامل التى تتحكم فى صياغة ومدى تأثير الأشكال الجديدة الممكنة للتغيير السياسى الراديكالى فى عهد العولمة، ويدور الثانى حول ما إذا كانت ديمقراطية المشاركة قد أصبحت وسيلة للنضال الثورى فى المستقبل، وإلى أى حد أصبحت الثورات تعتمد على التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصالات. لكن هذه الأطروحة لم تلق موافقة من بعض مؤلفى الكتاب الذين قدموا ردودا قوية على كل من كان يعتقد بأن عصر الثورات قد انتهى، وقالوا إن الأجدر بالمفكرين مناقشة التغييرات التى طرأت على أساليب الثورات والثقافة السياسية المرافقة لها. فما دام هناك نظم حاكمة تمارس الاستبداد والاستعباد والظلم الاجتماعى المنظم والقهر وإهدار كرامة الإنسان، فإن الثورة عليها أمر قائم وإن تأخر بعض الوقت. فى ختام سلسلة المقالات هذه، أريد أن أشرككم فى تأمل قصيدة بالعامية المصرية عنوانها «سلام يا ثورة»، نشرتها جريدة «أخبار الأدب» وهى للشاعر عبدالوهاب الشيخ من المنيا، لعل النقاش يفتح بابا لتقييم ما وصلت إليه الثورة المصرية، ويجعلنا نفعل ما نقضى به على أى تشاؤم أو لحظة يأس يجب ألا تنتابنا أبدا مهما كانت الصعاب. يقول شاعرنا الموهوب:
«سلام يا ثورة وحشتينا/ فى عز ما احنا.. فارقتينا وكنا لسه هنتحَكَّى / رجعتى من نص السكة لا لحقنا ناخد ولا ندِّى / ولا كان دا عشمى ولا بودى الحلم نصحى عليه ونفوق / وتحتنا تحت وفوقنا لفوق هيِّاها هيِّاها الأبعاد / هيِّاها هيِّاها الأوعاد والضلمة والليل متفقين / والصبح والفجر على ميعاد ولا حاجة جابت ولا ودِّت / غير لحظة، واللحظة أهى عدت لقيتنى واقف فى مكانى / وحلمى واخده فى أحضانى وعينى بتطل وترتاح / على بكره اللى عدا وراح وأدينا لسه فى إمبارح / بظلمه وظلامه البارح غير بس بدِّلنا التصاوير / ونزلنا نشرب م التحرير غرقنا فى البحر المالح». انتهت القصيدة، ولنا عودة، إن شاء رب العباد.
|