التاريخ : الاثنين 12 september 2011 12:26:11 صباحاً
بالتأكيد هناك "خللٌ ما"، هو الذى وصل بالثورة المصرية إلى ما آلت إليه فى ختام ليلة جمعة "تصحيح المسار".. حتى أختتم اليوم بتك النهاية المأساوية التى شهدت انحرافًا كاملاً بمسار الثورة.. ليس على يد الثوار بالتأكيد.. ولكن على من استغلوا حالة التخبّط التى تمر بها دون إبطاء وبلا توقف. لم تكن مصر التى رسمها ميدان التحرير منذ 29 يناير حتى الحادى عشر من فبراير هى نفسها، فى "الجمعة" التالية.. هناك غبار من المؤامرات جسم على صدر الثورة.. الكل يتآمر.. الكل ضد الكل.. انقسم الثوار منذ جمعة "عودة الخمينى" باستعراض الإخوان لوجودهم الخفى فى وسط الثوار.. ثم انقسموا حين حاول دُعاة الدولة المدنية أن يتجاهلوا وجود غيرهم على هذه الأرض.. وشطحوا فى أحلامهم ثم انقسموا على أنفسهم. لم تكن مصر التى رسمها ميدان التحرير حاضرة فى الاستفتاء على تعديلات الدستور.. فهانت على من كُلّف بإدارة شئون البلاد حين ترك الانقسام يشتعل وغذَّاه بإشارات، هنا تثير الإسلاميين وتزيد الفجوة بينهم وبين دُعاة الدولة المدنية، وهناك تُشعل غضب الليبراليين ضد الإسلام السياسي. الكل حاول أن يُغازل مَنْ فى السلطة.. مُتناسيًا مصر.. الكل حاول أن يُقضم من أكتافها قطعة لحم.. وشربة دم تُغذى فيه روح السيطرة وتمدّه بالطاقة اللازمة للحشد.. مليونية ترتدى الجلباب، وأخرى تلبس "التى شيرت".. مُظاهرة يقودها "الذقون".. وأخرى تصدح فيها "الجدائل" بالصراخ. لم تكن مصر -التى رسمها ميدان التحرير- حاضرة فى صفقات العار التى ترفع شعار: "تلك حصتنا من جسد مصر.. وتلك حصتكم.. وليتصارع الباقون على ما تبقّى من فُتات".. ولا يهم أن تضيع مصر.. المهم أن ينجح المُتآمرون. الكل استخدم أقذر ما فى السياسة من أسلحة.. سلاح "التخويف والتخوين" كان حاضرًا فى يد الجميع.. والإصبع على الزناد.. امسك: هذا ليبرالى علمانى صهيونى كافر، تموّله أمريكا وإسرائيل، سيُمارس الدعارة فى بيتك ولن تقوى على الاعتراض.. احذر: هذا إسلامى وهابى مُتزمّت، يغترف من أموال النفط السعودى، سيُحرّم عليك حياتك ويجعلها سوداء ممنوعة محبوسة فى قُمقم بلا قاع. كلنا تركنا الفرصة للأشرار.. وجلس العسكر يتفرجون.. استهلكت الثورة كثيرًا من الوقت والحناجر حتى نرى الفاسدون خارج الإطار، والمذنبون خلف القضبان.. واستنزفت طاقاتها حتى تصل إلى إطار شرعى يحكمها.. وأنهكت دون داعٍ وهى تُطالب بالمُحاكمات وعودة الأمن.. وإعادة اختراع "عجلة الإنتاج". لم تكن مصر -التى رسمها ميدان التحرير- حاضرة، فهانت الثورة علينا حتى بلغت المدى الذى يُقال فيه إنها ترجع إلى الخلف.. إلى قانون الطوارئ.. إلى مُداهمة وسائل الإعلام.. إلى المُحاكمات العسكرية.. إلى الانفلات الأمنى.. إلى الفساد المستمر وضياع الحقوق المُتواصل.. إلى إهدار الكرامة.. ولا ينقص المشهد إلا مشروع توريث آخر نُحاربه حتى نُعيد إنتاج المشهد بوجوه جديدة ونظام لم يتغير بالتأكيد. جميعنا وكل من خدعونا بأنهم رجال الثورة.. وحكومة الثورة.. وحُماة الثورة، أضعنا فرصة تاريخية لنترك شيئًا لأولادنا نفخر بأننا ساعدنا فى بنائه. كنت أحلم بأن يظهر "الآباء المُؤسسون" يجلسون على طاولة واحدة ينبذون خلافاتهم المذهبية والعقائدية والفكرية.. يفكرون فى "مصر المستقبل".. يضعون حلولاً لجروح الوطن.. ولا يطمسونها بالملح .. لكن الحلم ضاع. فعلها القادمون من الشُتات فى أرض الميعاد.. وفشل الداعون إلى الشتات فى "فجر الضمير" يا كل آبائنا فى ميادين مصر.. "خذلتونا".. وخذلتم "أم الدنيا".
|