التاريخ : الأحد 18 september 2011 08:58:09 مساءً
من المفترض أن ترتكز الموازنة العامة في مصر عند بلورة استراتيجيات التنمية وأهدافها وما تنبثق منها من سياسات علي إعطاء الأولوية للتعليم والصحة وذلك لبناء القاعدة الوطنية للعلم والتكنولوجيا وتنمية الإطار المؤسسي للبحث والتطوير والابتكار وتنمية الكوادر البشرية العلمية والصحية وتوفير مصادر التمويل لذلك.
وبتحليل أرقام الموازنة يمكن التعرف على خصائص الموازنة الجديدة من خلال بعض الأنصبة النسبية لعدد من القطاعات ذات الأهمية من منظور العناية بالبشر والتي تكاد تكون ثابتة، بل إن بعضها قد تراجع،فعلي سبيل المثال انخفض نصيب قطاع التعليم من الإنفاق العام من 11.4% في 2010/2011 إلى 10.6% في موازنة 2011/2012، وكذلك الحال مع قطاع الصحة الذي انخفض نصيبه قليلا من 4.9% إلى 4.8%، وبالرغم من أن الأرقام المطلقة للإنفاق على هذه القطاعات سوف تزداد بالأسعار الجارية بنسبة10% للتعليم و17% للصحة ، لكن عند أخذ معدل التضخم المتوقع رسميا في الحسبان وهو 13%- 14% (بمتوسط 13.5%) يعنى أن الإنفاق الحقيقي لن يزيد بأكثر من 3.5% بالنسبة للتعليم ، وأنه ينخفض بنسبة 3.5% بالنسبة للصحة.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلي أن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: هل كان من الممكن التوصل إلي موازنة أفضل، بمعني أن تكون الموازنة الجديدة منحازة بشكل أكبر للتعليم والصحة؟
وبحثا عن إجابة عن هذا السؤال سرعان ما يتبين أن الإيرادات كانت ستزيد بدرجة أكبر فيما لو أعيدت هيكلة الضريبة التصاعدية على دخول الأفراد بزيادة عدد الشرائح والتدرج في أسعار الضريبة لتصل إلى 50% أو 60% على الشرائح الأعلى، وفيما لو تحولت الضريبة الموحدة على الشركات إلى ضريبة تصاعدية ، وفيما لو زيدت الضريبة الجمركية وضريبة المبيعات على الواردات الكمالية والاستهلاك الترفي ، وفيما لو سارعت الحكومة بإجراء مراجعة جادة لعقود استخراج وتصدير البترول والغاز لرفع الغبن الذي ترتب عليها، وفيما لو استعيدت المشروعات الإستراتيجية التي جرى خصخصتها ووقعت في أسر الاحتكار إلى القطاع العام، مما يجعل أرباحها تصب في الخزانة العامة بدلا من أن تغذى الخزائن الخاصة للمحتكرين.
وبالإضافة إلي ماسبق ، فإنه من الممكن ترشيد بالإنفاق الحكومي بإجراءات مثل إلغاء دعم الطاقة للمشروعات ذات الكثافة العالية في استخدام الطاقة لاسيما الغاز والسولار، وتبنى نظام أكثر إحكاما لتوزيع البوتاجاز المدعم بما يجعل الاستفادة منه مقصورة على الاستخدام المنزلي ويوقف تسربه للمطاعم والفنادق ، فضلا عن العمل وفق مبدأ وحدة الموازنة لسد الأبواب الخلفية للموازنة لاسيما الصناديق والحسابات الخاصة التي يتعذر في وجودها السيطرة على إيرادات الدولة وترشيد مصروفاتها.
وجدير بالذكر أن مجرد تخصيص استثمارات وزيادة الاعتمادات المالية للتعليم والصحة ليس كافيا لضمان تحقيق الأهداف مالم يتواكب مع تطوير آلية متكاملة لمتابعة وتقييم المشروعات تركز علي الآثار التنموية لتلك المشروعات ،وتربط بشكل دقيق بين الاستثمارات المنفذة وأهداف العقد الاجتماعي الجديد.
وخلاصة القول، أن شعب مصر الذي قام بثورة عظيمة يستحق موازنة أفضل من موازنة الحكومة الانتقالية والمجلس العسكري الحاكم، والشرط الضروري للوصول إلى موازنة تنحاز بدرجة أكبر للتعليم والصحة هو استمرار النضال من أجل بناء نظام ديمقراطي حقيقي .
|