التاريخ : الاثنين 19 september 2011 06:04:31 مساءً
الإجابة السريعة عن السؤال السابق ستكون متشائمة بسبب ما يجري الآن من فوضي عارمة في كل حياتنا حتي بات في قناعة البعض أنه بمقدور أي مواطن أن يفعل مايريد وقتما يريد..الحالة العامة تبعث علي القلق وتدفع المتشائمين للقول بأن فرصة الحكم الديمقراطي قد ولت الي غير رجعة وأن شهداء الثورة قد جادوا بدماءهم هباءا..ولهؤلاء المتشائمين بعض العذر خاصة أنهم يستشهدون ببعض ماجري في مصر منذ تنحي الرئيس السابق حتي الآن لتأكيد أسباب تشائمهم مثل:
1-انفلات أمني غير مسبوق في الشارع المصري وبات العثور علي رجل شرطة في شوارعنا مساء (وربما صباحا أو ظهرا) من المستحيلات كما أن هذا الانفلات لم يواجه بخطة أمنية ناجعة..وزاد من قلق المصريين ارتفاع معدلات السرقة وتداول تجارة السلاح جهارا نهارا في الشوارع.
2-تردي أداء حكومة شرف وقد كان الظن أنها حكومة قادرة علي انجاز المهمتين الرئيسيتين اللتين جري تكليفها بهما وهما استعادة الأمن أولا ودوران عجلة الاقتصاد ثانيا..لكنها فشلت في تحقيق انجازا ملموسا في المهمتين..فلا أمنا استعادت ولا اقتصادا أنجزت وقد كانت حجة شرف والمؤيدين له أن الرجل مكبل ببعض وزراء مبارك كما أن المجلس العسكري لايمنحه الصلاحيات الكافية فما كان من المجلس الأعلي الا أن أعاد تكليفه ثانية ووافق علي استبعاد الوزراء المحسوبين علي النظام السابق ومنح شرف فرصته الكاملة في تشكيل الحكومة الجديدة واختيار عناصرها مع منحه كافة الصلاحيات لكن المؤسف أيضا أنه رغم مرور شهرين علي أداء حكومة شرف الثانية اليمين الدستورية الا أن أداءها لم يلق ترحيبا أو قبولا لدي الناس.
3-زيادة الفزع بسبب انتشار حالات البلطجة في الشارع ويمكن القول دون مبالغة أن البلطجة تكاد تكون دولة موازية في الشارع الآن خاصة أن وزير العدل الحالي عبد العزيز الجندي قد قدر أعدادهم بأكثر من نصف مليون بلطجي..والمعروف أن مبارك ونظامه البوليسي وحزبه الفاسد وعدد كبير من رجال الأعمال كانوا قد اعتمدوا بشكل كبير علي تكوين ميليشيات من البلطجية للمساعدة في تنفيذ أهدافهم وسياستهم فكان للبلطجة تواجدها في موسم الانتخابات وكذلك في تصفية الخصوم وأثناء المظاهرات وقد تولي الانفاق المادي علي عالم البلطجية عدد كبير من رجال الأعمال ومن رجال النظام السابق الذين يقبعون الآن في السجون.
كان طبيعيا استمرار البلطجية في ممارسة مهامهم (الوظيفية) التي لايعرفون غيرها لكسب العيش وبدلا من أن تتخذ الحكومة خطوات ناجزة في هذا الملف فإنها قد أسقطته من حساباتها.
4-السبب الرابع والأخير الذي دفع غالبية المصريين الي اليأس واحساسهم بضياع ثورتهم هو حالة وأداء النخبة المصرية الذي أحبط كثيرين..فقد كان المنوط بتلك النخبة المثقففة أن تكون مشعل النور لهذه الأمة وتقدم رؤيتها لبناء النظام السياسي الجديد.. لكن الشارع المصري راعه عدم وعي قطاع كبير من تلك النخبة بمسئوليتها بعد تعامل جزء منها مع الثورة بوصفها قطعة حلوي كبيرة يسعي الكل لاقتطاع نصيبه منها.
اذا انتهينا من تحليل الأسباب السابقة التي استدعت قلق المصريين علي ثورتهم فإنه يمكننا اضافة بعض الأسباب التي لايختلف الشارع عليها الآن والتي في ظني قد دفعتنا جميعا الي المشهد الراهن الذي جلب لنا الشعور بالتشاؤم حتي باتت كل سيناريوهات المستقبل واردة الحدوث ولم يعد في استطاعة أحد الجزم بما قد يخبئه الغد.
ويمكننا القول أن هناك حالة من عدم وضوح الرؤية لدي صانع القرار في مصر الآن..بل أنه أصبح واقعا داخل خانة رد الفعل بدلا من الفعل والسبب في ذلك غياب خريطة طريق واضحة كان يجب أن يعلنها المجلس العسكري فور توليه السلطة بعد تنحي مبارك..تلك الخريطة التي كان يجب ان تتشارك في صياغتها القوي السياسية بجانب المجلس العسكري لكن الأخير آثر الانفراد بالسلطة والقرار معا وأصبحت كافة آراء القوي السياسية بمثابة آراء استرشادية غير ملزمة لذا وجدنا المجلس الأعلي يرفض فكرة المجلس الرئاسي كما أن اجتماعاته بالعناصر والرموز السياسية المصرية قد تباعدت..ويمكن رصد عدد من المواقف التي تؤكد غياب الرؤية العامة للأمور وغياب خريطة الطريق منها مثلا:
1-استفتاء المصريين علي تعديل بعض مواد دستور 71 ثم الغاء نتيجة الاستفتاء واعلان البيان الدستوري.
2-اصدار قانوني مجلسي الشعب والشوري دون التزام باقتراحات كافة القوي السياسية التي رفضت هذا القانون فما كان من حكومة شرف سوي الإعلان عن اقتراحاتها بتعديل بعض مواد القانون.
3-عدم الاصرار علي تنفيذ اسرائيل المطالب المصرية بعد استشهاد ستة من جنودنا علي الحدود حيث طالبت مصر باعتذار اسرائيلي وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة مع اسرائيل لكن الأخيرة لم تفعل.
4-عدم الاستفادة اقتصاديا من بعض مايجري حولنا مثل الحصول علي جزء من كعكعة اعادة اعمار ليبيا علي سبيل المثال وكذلك تفعيل مشروعات مشتركة مع السودان بدولتيه وكذلك اطلاق مشروع قومي لتعمير سيناء.
لكل ماسبق فإنه يحق للمصريين أن يزدادوا قلقا علي ثورتهم.
|