التاريخ : الأحد 25 september 2011 07:16:53 مساءً
يُثار فى الآونة الحالية الحديث بكثرة عن أوضاع الأجور والرواتب فى المجتمع المصرى، خاصة بعد تظاهر عشرات الآلاف من المُعلمين أمام مجلس الوزراء بالقاهرة، وفى عدد من المحافظات للمطالبة بتطبيق كادر خاص بهم وصرف حافز الـ200% ، والذى أثار حفيظة العديد من الفئات الأخرى، خاصة الأطباء وأساتذة الجامعات والمهندسين، حيث طالبوا جميعًا بكادرات خاصة بهم، كما شرعت الحكومة فى إعداد مشروع جديد للحد الأقصى للأجور يتراوح فى حدود 25 ألف جنيه، وهكذا أصبحت قضية الأجور على رأس اهتمامات المجتمع بكل قطاعاته.
وفى ذات السياق فقد احتلت قضية الأجور مركز الصدارة فى الحوار الدائر الآن حول الإصلاح الاقتصادى خصوصًا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وضرورة إيجاد الآليات التى تُحقق التوزيع العادل والكفء لثمار النمو والتنمية، حيث ظلت الحكومات السابقة على مدار سنوات طويلة تضع حلولاً ومسكنات مؤقتة سرعان ما يزول أثرها ، كما تم اختزال موضوع الأجور فى الفترة الأخيرة فى تحديد الحد الأدنى والأقصى للأجور ، الأمر الذى يؤدى لخلط شديد بين الحد الأدنى اللازم للمعيشة وبين مستوى الأجور الذى يتدرج على سلم يرتبط بالكفاءة وجودة الأداء.
ومن هذا المنطلق أصبحت صياغة سياسة متكاملة للأجور فى مصر أحد أهم أولويات الإصلاح المطلوبة لكنها تمثل فى نفس الوقت تحديًا كبيرًا لأنها تطلب مُواءمة بين أهداف اقتصادية واجتماعية قد تبدو مُتعارضة حيث رفع مستوى الأجور إلى مستوى 1200 جنيه يُعد مرغوبًا من وجهة نظر العدالة الاجتماعية التى قامت من أجلها ثورة يناير، بيد أن تكلفته بالنسبة لعبء الموازنة العامة أو لنفقات القطاع الخاص لابد أن تؤخذ أيضًا بعين الاعتبار، بالإضافة إلى أنه هناك ضرورة لمتابعة تأثير التغير فى سياسة الأجور على التضخم الذى قد يلتهم التحسن فى الأجور ذاتها إذا لم يكن هناك ضبط للأسعار ناهيك عن تأثيرها على القدرة التنافسية للبلاد خاصة فى مجال التصدير.
وفى هذا الإطار تنبع أهمية صياغة سياسة متكاملة للأجور فى مصر من أهمية الدور المحورى الذى تؤديه من حيث كونها مصدرًا أساسيًا من مصادر الدخل للعديد من الأسر المصرية حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة المُشتغلين بأجر فى القوى العاملة قد وصلت إلى 60.9% عام 2009 ويقع أغلبهم فى القطاع الحكومى بنسبة 40.6% فى حين يمثل القطاع الخاص 27%، كما تمثل الأجور 72% من مجموع دخل الأسر فى 2008/2009 بالإضافة إلى أن الأجور 44.4% من إجمالى دخل الفقراء وذلك وفقا لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وقد أدى عدم وجود سياسة مُتسقة للأجور فى مصر عبر الزمن والتشوهات التى تعانى منها سوق العمل المصرية، وتعدَّد مفهوم الأجر نفسه إلى عدم إمكانية استخدام الأجر كأداة من أدوات السياسة الاقتصادية والاجتماعية حيث أصبح الأجر مفهومًا مشوهًا مما حدا ببعض خبراء الاقتصاد بوصف الوضع القائم بفوضى الأجور.
وعلى الرغم من أن الأجور الأساسية فى مصر تُعد منخفضة ، لكننا يجب أن نعترف فى نفس الوقت بأن ذلك تقابله أيضًا إنتاجية منخفضة وهو ما يجعل تكلفة وحدة العمل فى مصر المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية المختلفة أعلى من دول أخرى مماثلة، الأمر الذى ينعكس بدوره سلبًا على القدرة التنافسية للاقتصاد المصري.
وتجدر الإشارة إلى أن الإصلاح المرتقب فى سياسة الأجور يتطلب بداية توحيد تعريف الأجور فى المجتمع المصرى، فالوضع القائم يتسم بنظام مُعقد لتعريف الأجور ، فهناك الأجر الأساسى، بالإضافة إلى أعداد كبيرة ومتزايدة من العلاوات وتخصم منه أعداد كبيرة من الاستقطاعات الأمر يؤدى إلى ما يسمى بالأجر المتغير.
وخلاصة القول: ترتكز السياسة المقترحة لإصلاح الأجور على عدة محاور أبرزها إنهاء الخلاف حول تحديد الحد الأدنى والأقصى للأجور باستخدام المعايير الدولية وبما يتناسب مع ظروف الحالة المصرية، وضرورة تغيير سياسات الأجور فى القطاعين العام والخاص تغييرًا شاملاً وربطها بالإنتاجية فى المقام الأول إلى جانب تفعيل دور المجلس القومى للأجور ودور نقابات العمال وجميع النقابات والمؤسسات التى تمثل مختلف فئات الشعب المصرى.
|