التاريخ : الأربعاء 12 october 2011 02:10:50 مساءً
هل ما حدث ليلة الأحد الدامي عند ماسبيرو شيء معقول؟ وبين أناس كانوا يتعاقبون في الصلاة كل جمعة في ميدان التحرير، وكان المسيحيون يصبون الماء على إخوانهم المسلمين للوضوء، وممن ينتمون إلى دينين يأمران بالمحبة والسلام والبر والقسط؟ وبسبب حادثة صغيرة في أقصى جنوب البلاد، كان حلها أيسر ما يكون إذا لم يمكن حلها وديًّا فقد كان من الممكن أن ينظر القضاء في الوثائق والمستندات، فإن وجد ترخيصًا ببناء كنيسة أمر ببنائها كأحسن ما يكون البناء، وإن لم يجد فعلى الجميع أن يحترم النظام والقضاء.
إنه من الواضح لكل ذي عين بصيرة مدى حجم الخراب الذي خلَّفه النظام الساقط، وقد عشّش في كافة مؤسسات الدولة، وأنه ليس بإمكان أي فصيل أن يضطلع بعملية إعادة البناء بمفرده، مهما بلغ من القوة أو الانتشار، مثلما لم يتمكن فصيل بمفرده من إسقاط النظام، فلابد من إخماد أي نزعة لدى البعض، للاستعلاء أو الاستغناء ، أو الاستحواذ والاستئثار بثمار الثورة، هذا فضلاً عن نزعة فرض الوصاية أو الإقصاء.
وما يساعد على هذا هو استلهام الروح الجماعية التي هيمنت على ميدان التحرير خلال الثورة، والتي صهرت الجميع في بوتقة واحدة، فقد رأينا المسلم بجوار القبطي، و"المجلبب" إلى جانب "المبنطل" ، والأستاذ الجامعي مع الأمي... الجميع كان يسعى لتحقيق هدف واحد، فمعركة البناء أيضا تحتاج إلى كل يد كي تساهم فيها.
إن التعددية الفكرية هي سمة من سمات حيوية المجتمع المصري وثرائه الثقافي، شريطة أن تكون في إطار من الوحدة حول حزمة من المبادئ، وأن تكون محل إجماع، غير أن هذه التعددية تنقلب من نعمة إلى نقمة، إذا ما تحوّلت من التوحد والتلاقح إلى التفرق والتناطح، ويتحقق ذلك بتقديم الجزئيات على الكليات، وهو ما يفرِّق المجتَمِع من عوامل الوفاق، ويجمع المفرَّق من معاول الشقاق.
إن تلك الفتنة الطائفية لهي أكبر ثغرة في بنيان الثورة، تسمح بتسلل أعدائها في الداخل من بقايا النظام الساقط وفلوله، وأعدائها في الخارج من قوى دولية هُددت مصالحها، وعروش إقليمية زُلزلت أركانها، وهؤلاء جميعا لا يدخرون جهداً من أجل إجهاض الثورة، والحؤول دون قيام نموذج مصري رائد يكون له أكبر الأثر في تغيير ملامح المنطقة بأسرها، وكسرها لطوق التبعية.
وإذا أمعنا النظر في فحوى الخلاف بين المسلمين والنصارى في مصر، لوجدناه خلافاً مصطنعاً غير حقيقي، والحقيقة أن القاسم المشترك الذي يجمع بين الجميع أكبر كثيرا مما يفرق بينهم، فلا خلاف حول مبادئ وقيم مثل المواطنة التي تقوم على العدل والمساواة، أو الحرية وتداول السلطة، أو ضرورة وجود الدولة القوية التي تطبق القانون على الجميع بلا تمييز، فهي حزمة من المبادئ محل إجماع جميع تيارات الجماعة الوطنية المصرية، ولا بد من جعلها أساساً لصياغة التيار الأساسي لها، الذي يمثل القاسم المشترك الجامع بين كافة الفصائل الفكرية والسياسية، معبراً عن قيم الجماعة الوطنية بصفة عامة، ومترجماً للأهداف والغايات المراد تحقيقها في المرحلة المقبلة.
إن الحوار هو الوسيلة الوحيدة الفعالة للتعامل مع الآخر للتفاهم على نقاط تشكل اختلافًا في وجهات النظر، ولو اعتمده الجميع لما كانت هناك تلك الإشكاليات التي تحدث من الحين للآخر والتي كان يكتفي النظام السابق بتهدئتها دون وأدها والتخلص من جذورها تماماً بعد فهم مسبباتها، فأياً كان الدين.. فإن من يتبعه يتمسك بالقيم الإنسانية انطلاقاً من مبادئ سماوية يتلقاها ويعتنقها، ومنها احترام الآخر والتفاهم معه.
ومن هنا ينبثق الحوار بتبادل الآراء فيه، ولو اعتمد الجميع الحوار سبيلاً لما كانت هناك نزاعات دينية وطائفية، ولما كنا نعانى من مشكلات تهدّد كيان الوطن من حين لآخر، أتمنى أن تقودنا الروح الطيبة التي اكتسبناها من ثورة يناير إلى التوافق على عيش مشترك صحيح بين أبناء الدينين في الوطن الواحد، يجمع بينهما احترام الإنسان ومعتقداته، يتجلى بالانفتاح على الآخر، في ظل روح وطنية مشتركة، يقرّ بها المصريون ويعلنون لها الولاء والانتماء.
وخلاصة القول ، أنه في الوقت الذي تمر فيه الثورة المصرية بمخاض عسير، وفي الوقت الذي تتوحد فيه كل القوى من أجل الخروج بالبلاد من المرحلة الراهنة، وفي الوقت الذي تزداد فيه الاضطرابات والاعتصامات والمطالب الفئوية، وفي الوقت الذي يحذر فيه المسئولون من انهيار الاقتصاد والوصول إلى مرحلة خطيرة إذا استمر الحال على ما هو عليه ، فينبغي على جميع المسلمين والنصارى أن يقدروا مدى دقة وحساسية اللحظة التي تمر بها مصر، وأن يتعاملوا معها بمنطق "ثقافة السفينة" حيث أننا جميعا ركاب سفينة واحدة علينا أن نتعاون جميعا من أجل الحفاظ علي سيرها في مواجهة الأمواج المتلاطمة من أجل أن ترسو السفينة علي شاطئ النجاة.
|