التاريخ : السبت 15 october 2011 04:43:15 مساءً
كثرت الانتقادات التي وجهت إلي حكومة الدكتور عصام شرف قبل وبعد احداث “ماسبيرو” التي ادمت قلب الوطن, ولا شك ان بعضاً منها في محله وله وجاهته, ولكن احداً ممن انتقدوا الحكومة عن حق او غير حق لم يقف ليتأمل المشهد العام بشئ من الانصاف قبل النيل من “شرف” الحكومة -التي هي حكومة “شرف” الاسم- بالرغم من ان الصفة هي كحال البنت البكر كما يقول المثل كعود الثقاب لا يشتعل إلا لمرة واحدة واخيرة, بعدها تفقد الحكومة اعز ما تملك : الشرعية.
ولكن هل فعلت الحكومة ورئيسها الذي اختاره ميدان التحرير, ذلك بنفسها؟! ام فعله بها اقرب الناس إليها الذين كان يفترض بهم ان يدرءوا عنها اي تربص واستهداف مغرض؟ ام انها الايادي الخفية التي كثيراً ما تحدثنا عنها في الماضي والحاضر, سميناها قوي خارجية او فلول؟
اري بغير غرض او انحياز انها ليست قوي واحدة, او طرفاً واحد من الثلاثة, وإنما الجميع تشارك في سلب هذه الحكومة اعز ما تملك عن عمد او بالمصادفة, لكن النهاية واحدة والازمة باتت ضاغطة والصبر بدأ في النفاد لدي الجميع.
في البداية وقبل ان اسرد وقائع الاعتداء علي شرعية حكومة شرف اذكر ببعض الحقائق, اولها: إن الحكومة التي سبقتها فقدت موقعها علي اثر اتهام بالتقاعس وعدم الجدية, وهي اتهامات ليست بعيدة عما يوجه الآن من انتقادات لحكومة “شرف” وقيل في حينه انه كيف يتصور من حكومة تضم الكثير من قوي فلول “الوطني “ ان تكون حريصة علي الجدية والتعبير عن اهداف ثورة 25 يناير.
ثانيها: انه وبينما كان الحديث يدور عن ان اختيار “شرف” هو إنتصار للشرعية الثورية فإنه في واقع الامر وترجمة لحقيقة الإمساك بزمام السلطة فإن المجلس العسكري وبعد الاعلان الدستوري الذي اصدره بعد فترة قليلة من تولي الحكومة اكد بما لا يدع مجالاً للشك ان كافة سلطات رئيس الجمهورية قد آلت إليه, وبالتالي فإنه مرجع الشرعية الفعلي وحتي انتهاء العملية الانتخابية للسلطة التشريعية وكذلك لرئيس الجمهورية ووضع الدستور الجديد للبلاد.
ثالثها يترتب علي اولها وثانيها: انه في ظل غياب المنظومة التشريعية, وحاجة القوانين التي كانت سارية إلي الشرعية القائمة لكي تطيل امد سريانها ولا تعطل اياً منها أو تستبدله بتشريعات جديدة كان علي الجيمع ان يدرك اننا إزاء وضع قانوني إستثنائي له ملامح واضحة للشرعية, وهناك علي الجانب الآخر قوي ضغط سياسي ممثلة في التيارات والاحزاب والقوي المختلفة او المزيج الثوري الاكثر راديكالية بالنظر إلي عموم الجماهير, وهي تمارس الضغط دون آليات قانونية او مرجعية شرعية مقننة كما حدث في المقابل من خلال الإعلان الدستوري للمجلس العسكري.
هذا الوضع وتلك المتغيرات الحاكمة هي التي سهلت الإنقضاض علي شرعية حكومة “شرف” وتركتها لقمة سائغة لكل الطامعين والمتربصين حتي اعضاء الحكومة انفسهم, فوصل الحال بنا إلي احداث “ماسبيرو” الدامية, والمطالبة برأس “شرف” فداءاً لإستمرار هذا الاداء المضطرب المشوه.
لقد اخطأت حكومة “شرف” رئيساً واعضاء في عدم وضع اجندة واضحة المعالم رغم ظروف الفترة الانتقالية للعمل خلال هذه المدة وإعلانها في شفافية كاملة للجميع سواءاً الجماهير بمختلف اطيافها او من اسمتهم كأطراف في الحوار القومي او المجتمعي الذي لم يكن سوي منبراً للتراشق السياسي قليل الجدوي, لو ان الحكومة فعلت ذلك لكانت وفرت الحد الادني من الشرعية التي تحتمي بالجماهير, ولكنها انساقت تارة لضغوط المجلس العسكري وتارة اخري لضغوط النخبة السياسية المنقسمة علي نفسها وزاد ذلك من تورطها في الجدل السياسي بينما قلت وتبعثرت جهودها من اجل الاستقرار الأمني والاستقرار السياسي لإن الملف الأول كان في عهدة المجلس العسكري علي الدوام, والثاني لم تكن تملك تصوراً متماسكاً لإنجاز استحقاقاته.
ابرز اخطاء حكومة “شرف” انها لم تمتلك مشروعاً واضحاً وكانت اكثر إستثنائية وإنتقائية في التعامل مع متطلبات المرحلة الانتقالية وخضعت للجميع اكثر مما ينبغي حتي فيما هو من صميم اختصاصاتها التكنوقراطية كمسألة علاج عجز الموازنة التي تدخل فيها المجلس العسكري تارة بخفض حجم العجز قبل اعتمادها وتارة اخري عندما تحفظ علي التوسع في الاستدانة الخارجية بالرغم من انها الاقل تكلفة في الظروف الحالية.
اما خطأ القوي الثورية والنخب السياسية التي هللت كثيراً لتولي “شرف” مهام منصبه, فتمثل في انصرافها إلي الاعتناء بتنمية غنائمها من الوضع السياسي الراهن والانخراط في جدل ومساجلات لا طائل من ورائها فرقتها اكثر مما كانت عليه في الاصل وتركت الحكومة تواجه المجهول فهذه القوي وتلك النخب لم تملك مشروعاً واضحاً هي ايضاً عن متطلبات الوضع الانتقال وحتي يتبلور المستقبل السياسي المنشود, بل ان بعضها امعن في خلط المستعجل بالآجل من القضايا وعوض ان يوجه انتقادته إلي المجلس العسكري ليس بهدف النيل من دوره الوطني الشريف, ولكن لكونه في هذه اللحظة هو صاحب السلطة الفعلية والحقيقية وجهها إلي الحكومة وبينما هو يفعل ذلك لم يجد غضاضة كلما اشتعلت احد القضايا ان يصب جام غضبه علي هذه الحكومة وتفريطها في الصلاحيات التي ينبغي ان تكون لها!!
اما الايادي الخفية داخلية كانت او خارجية, فإن التضخيم من دورها يشعرنا بالتواطؤ مع منطق سريان الاحداث من سيئ إلي اسوأ, فلو فرضنا وجود هذه الفزاعة التي لطالما استخدمت في السابق, فعلينا ان نسأل انفسنا حكومة ومجلس عسكري وقوي سياسية ماذا فعلنا حتي لا نوفر لها مناخاً خصباً لإحراق الوطن.. قد تكون هذه الايادي موجودة, فهناك فلول للحزب الوطني المنحل وهي صاحبة مصلحة في مقاومة حالة الاستعداء ضدها, ولكن لا ينبغي ان نضخم ونهول من ذلك وإنما علينا ان نسعي لحصاره وحصار المناخ الذي يفسح له مجال التخريب والانقضاض علي الثورة.. ولو كنا فعلنا نذراً من ذلك لكنا وفرناً قدراً من المناعة لشرعية الحكومة التي نصب لعناتنا عليها الآن.
واخيراً يتحدث الكثيرون عن “الصلاحيات الكاملة” حتي بعض المرشحين المحتملين للرئاسة, ولا يقول لنا احداً ماملامحها او ما هي, وكيف تنتزع ممن؟ ثم ما هي الضمانات للوفاء بها إذا ما تقررت؟ وبأي حق سيبرر صاحب هذه الصلاحيات استحقاقه لها في ظل الفترة الإستثنائية؟ ومن يحاسب صاحب الصلاحيات الكاملة إذا اخطاً او سيضع له اجندته؟!
إلي كافة من شحذوا اسلحتهم للتضحية بـ”شرف” وكأنه الخلاص من كافة ازمات مصر ومحنها.. إتقوا الله..
و"من كان منكم بلا خطئية فليرمها بحجر”.
|