التاريخ : الخميس 27 october 2011 01:05:49 مساءً
السؤال الملح في مصر اليوم ليس "إلى أين تسير المحروسة؟" بل "إلى متى ستظل مصر محروسة؟". كي ندرك أهمية هذا التساؤل ليس علينا إلا أن نتابع المصريين اليوم وقد فتحوا أبواب بيوتهم بإعجاب ودهشة طفولية لعشرات الآلاف من فتيات وفتيان أتوا من الصين يخترقون الريف والمدن المصرية يحملون على أكتافهم مصنوعات رخيصة كان بوسع العامل المصري المشهود بذكائه وألمعيته أن ينتج مثلها لو كانت الدولة قد وفرّت له مكانا خلف آلة في مصنع بدلا من أن تضطره للعمل خادما في قرية سياحية، جهزت له ورشة بدلا من مقهى، علمته كيف يصطاد بدلا من أن تعطيه السمكة، وفرت له إعلاما توعويا وتدريبيا لا أن تهدر أمواله في أجور مدربي ولاعبي كرة القدم.
لو كان ماركس حيا في مصر لغيّر من أفكاره وتعلم الكثير عن أشكال الاستعمار الخفيّ وكيف يحتكر المستثمرون الأجانب ووكلائهم من رجال الأعمال والساسة موارد البلاد وأرضها. سيغير ماركس قطعا مفهومه عن أفيون الشعوب بعد أن تصدمه عشرات القنوات الفضائية التي تبث الخلاعة ووجبات الجنس ناخرة كالسوس في تقاليد وأعراف الأسرة المصرية المحافظة، كما سيتعلم ماركس درسا جديدا حين يجد هذه الأسرة تتحول بالتدريج ـ بفعل تزاوج البرجوازية المحلية من الصهيونية والرأسمالية العالمية ـ إلى مسخ مشوه، وقد يحدونا الأمل في أن الريف المصري هو الحصن الأخير، لكن للأسف أن هذا الحصن الأخير بدأت تهتز أسواره أمام الزحف المدنس الساعي بهمة لتدمير التراث الفكري والثقافي والأخلاقي المصري.
الطريق إلى إنقاذ المحروسة من مسيرتها العمياء إلى حافة الهاوية جد بسيط وواضح. شباب مصر هم الطاقة وأرض مصر بها من الكنوز الكثير، توشكي والنوبة وحلايب وشلاتين، وشمال سيناء والساحل الشمالي للصحراء الغربية، وجبل العوينات والواحات كلها مواقع صالحة لاحتضان مبادرات ومشروعات عملاقة صناعية وزراعية كفيلة بالخروج بسكان مصر إلى الإنتاج والعمل، كفيلة بأن تنقل مصر "المحبوسة" أمام شاشات التلفاز والمقاهي والأزقة المرصعة بمخلفات القمامة إلى بر الأمان حتى تستحق أن توصف بأنها "الأرض التي يرعاها ويحفظها الله".
ولأنه من السذاجة وضع كل التهم في رقبة الحاكم وتبرئة المحكومين، ولأن هناك قدرا من الصواب في الحكمة القائلة "كل شعب يستحق حكامه" فإننا لا نبرئ أنفسنا كمصريين. فقد احترفت شرائح منا ثلاثية مهلكة تقوم على "التناقض" و"هوان النفس" و"ضعف المبادرة". في هذه الثلاثية المخزية يقول كثير منا ما لا يفعل ويقبض بعضنا الرشوة وهو يخطب في الناس بالفضيلة، وترتدي بعض نساءنا الحجاب فوق زىّ الخلاعة والمجون.
وفي ظل مناخ اتسم بالفساد السياسي اعتاد كثير من المصريين أنواعا مختلفة من الفوضى والإهمال والتراخي والتقصير، حتى صار كثيرا من الناس فاسدا "كل على قدر استطاعته" وغدت البلاد في بعض قطاعاتها "فسادستان" و"نفاقستان" وضياعستان".
وحين يصح العزم وتمتلك مصر إرادتها وتنتقل من الرحلة الانتقالية الحالية إلى حكومة وطنية ذات مشروع قومي ورؤية ثاقبة ، وحين يتخلص المصريون من ثلاثية الهلاك ستتحول مصر من "دولة صنعت التاريخ" إلى "دولة تستعيد المستقبل" وما ذلك علي الله بعزيز.
|