التاريخ : الاثنين 31 october 2011 06:47:28 مساءً
بصراحة شديدة أسعدنى خبر فرض غرامة تصل إلى 500 جنيه لمن يتخلّف عن التصويت فى الانتخابات وهو مُقيد بقوائم الناخبين.
هذا القرار الذى جاء ضمن حزمة قرارات أخرى بخصوص البلطجة واستعمال الدين والتشهير بالمنافسين أصدرها المجلس العسكرى قبل انطلاق المرحلة الثانية من العملية الانتخابية بإعلان الكشوف النهائية للمرشحين وانطلاق ماراثون الدعاية الذى اخترقه عدد كبير منهم قبل الموعد القانونى، والدخول فى مرحلة التصويت.
سعادتى بقرار فرض الغرامة ترجع إلى طبيعة شريحة عريضة من الشعب المصرى، الذى مُنع من ممارسة السياسة لعقود طويلة، واكتسى دوره الانتخابى بغطاء سميك من السلبية والاستسلام والتواكل والخنوع، باتت معه المشاركة السياسية فريضة غائبة.
تلك الشريحة العريضة من السلبيين لا تنغلق على مستوى ثقافى معين ولا تنحصر فى بيئة اقتصادية بعينها ولا مستوى تعليمى مُحدّد، لكنها تتسع لتشمل بؤرًا فى الجسد المصرى، فقدت الأمل فى التغيير وكفرت بإمكانية أن يكون لها دور فيه، بعد عقود من تزوير الإرادة وتقفيل اللجان فى وجه الأحياء وتصويت الأموات لمرشحين بعينهم.
وخطورة هذه البؤر السلبية لا تنعكس عليهم فقط، بل إنها تمتد لمستقبل أولادى وأحفادى، فهم بغيابهم عن أداء دورهم السياسى يمنحون الشرعية لمن لا يستحقها، ويعطون قوة وهمية لمن اعتمد لعصور على الأقلية المضمونة والموجهة، وبالتالى باتت مشاركة الجميع ركنًا من أركان العمل السياسى.
وفى حال اتساع رقعة المشاركة لتشمل أكبر عدد من المصريين المكلفين بالعمل السياسى، فإنه يحق لمن يحصد الأغلبية أن يعبر عن جموع الشعب بشكل لا يقبل الجدل، كما سيؤدى توسيع تلك الرقعة إلى منح السياسة المصرية أكبر مساحة من التنوع بين الاتجاهات السياسية.
ولعلى أكثر قناعة بأن فرض هذه الغرامة بهذه القيمة سيدفع البسطاء والمهمشين إلى التوافد على اللجان الانتخابية خشية التعرض للعقوبة، خاصة بالنسبة للأجيال التى سلمت لنا راية الأوطان مهزومة ومتخلفة، وعلى وشك التوريث، لعلها تكفر عن صمتها وقلة حيلتها، وحتى تمنحها المشاركة دورًا إيجابيًا، بدلاً من دورها الحالى الذى لا يخرج فى معظمه عن "تقطيع" الثورة وتوجيه اللوم لها وللثوار على ما بلغته البلاد من "فوضى" و"كساد"، رغم أن الثورة لم تحكم حتى تُلام، ولم تفلح فى "إتمام عملية التغيير" حتى تُحاسب، لأنها ببساطة أخطأت حين سلمت السلطة على بياض لآخرين، دون مفاوضات ولا شروط.
أسعدتنى غرامة الـ500 جنيه، كما لم تسعدنى أى غرامة فرضتها حكومات العار فى نصف قرن مضى، وأتمنى من الله أن ينتشر خبر هذه الغرامة فى كل بيت، وأن يرددها خبراء نقل الأنباء ونشر الشائعات باعتبارها حقيقة ثابتة، وكم أحب لو ركزت عليها وسائل الإعلام.. وبرامج التوك شو.. وفتاوى المشايخ.. ومجالس الرغى الكروى.. وجلسات التفاهة على قنواتنا الفضائية، وأن تكون محور حديث ربّات البيوت من خلال "تليفون البيت" مع الأهل والجيران والأحبة، وأن تملأ مساحة لا بأس بها من عمليات استهلاك دقائق العروض المجانية لشركات المحمول الثلاث.
وقبل هذا وذاك أتمنى ألا يراجع المجلس العسكرى قانونه الجديد تحت أى ضغوط، وأن يبادر بإصدار بيان مصور لتأكيده، وأن يشرح كيف ستفرض الغرامة، وكيف سيتم تحصيلها، وما الحالات التى تحتسب عذرًا مقبولًا، ومن سيحسم أمرها ولمن ستقدم الأعذار.
ما أصدره المجلس العسكرى الذى يملك سلطة التشريع الآن "قانون" يجب أن يحترم ويطبق على الجميع، ولا عذر بعد ذلك لمن سيدفع ثمن سلبيته وغيابه، أكبر من أن إرادته ستتبدل وقراره ستحكمه أقلية، وسيصبح كأنه والعدم سواء.. و"كمان هيدفع غرامة".
|