التاريخ : السبت 14 may 2011 06:10:41 مساءً
بادئ ذي بدء، لقد أصبح من الصعب أي دولة في عالم اليوم أن تعيش بمعزل عن بقية دول العالم، أو أن تغلق علي نفسها وتقوم بعملية التنمية ذاتياً بعيدا عن بقية دول العالم كما فعلت الصين سابقاً، ففي عالم تتزايد فيه درجة التخصص وتقسيم العمل نتيجة زيادة الاعتماد المتبادل بين الدول، فإن ما يحدث في دولة ما مايلبث أن ينتقل ويؤثر علي بقية دول العالم، حتى لو لم يكونوا مرتبطين بأي درجة من درجات التكامل الاقتصادي أو الاتفاقات التجارية، فأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية قد ضربت بقية اقتصادات العالم، فليس هناك ضرورة لتوضيح أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول من الناحية الاقتصادية، فقد ثبتت حيويته حتى سارعت معظم دول العالم في الدخول في تكتلات اقتصادية، سواء اقليمية كالاتحاد الاوربي والاتحاد الإفريقي والاتحاد العربي أو من خلال التنسيق علي المستوي العالمي كما في الثالوث الاقتصادي العالمي منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد والبنك الدوليين.
ولابد من الأخذ في الاعتبار أن التكامل الاقتصادي بين الدول يؤدي -علي الأقل- إلي منع نشوب نزاعات بينها، وكان هذا هو السبب وراء محاولات فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية في إحتواء ألمانيا في ترتيبات اقتصادية يكون من شأنها منع نشوب حروب بينهما، فبدأت بإتفاقية جماعة الفحم والصلب الأوربية عام 1952، وصولاً إلي اتفاقية ماسترخت لإنشاء الاتحاد الأوربي في 1992، ونتيجة لزيادة درجات التكامل والتعاون بين فرنسا وألمانيا حتى أصبحا حلفاء سياسين ويظهر هذا من خلال السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، والسياسة الأمنية والدفاعية الأوربية.
وتمر عملية التكامل الاقتصادي بعدة مراحل سنحاول سردها بايجاز شديد:-
1) مرحلة التفضيلات الاقتصادية:- وفيها تقوم إحدي الدول بإعطاء ميزات تفضيلية لدولة أو عدة دول عن طريق إعفاء وارداتها من بعض الجمارك أو زيادة حصتها التصديرية أو غيرها.
2) منطقة التجارة الحرة:- وفيها يتم إزالة كافة العوائق أمام انتقال السلع والخدمات كالجمارك والحصص وغيرها، وقد دخلت منطقة التجارة الحرة العربية حيز التنفيذ في يناير 2006.
3) الاتحاد الجمركي:- وفيها تقوم الدول بتوحيد سياساتها التجارية تجاه العالم الخارجي.
4) السوق المشتركة:- وفيها يتم إزالة كافة العوائق أمام عناصر الإنتاج كرؤوس الأموال والعمالة وغيرها.
5) الاتحاد الاقتصادي:- وفيها تقوم الدول بتوحيد سياساتها الاقتصادية.
6) الاتحاد النقدي:- ويتم فيها توحيد عملات الدول تحت عملة واحدة جديدة، ووضع سياسة نقدية واحدة لهم.
7) الاتحاد المالي:- وتقوم الدول في هذه المرحلة بتوحيد سياساتها المالية من إيرادات ونفقات.
وقد استطاع الاتحاد الأوربي اجتياز الست مراحل الأولي، وقد قام بالتنسيق للسياسات المالية، ولكنه لم يوحدها بعد.
ولنجاح أي تكتل أو تكامل اقتصادي، فإنه يستلزم توافر الثلاثة شروط التالية:-
- توافر الإرادة السياسية بين الدول:- بأن يكون لديها الإرادة السياسية للتنازل عن بعض سلطاتها في مجالات السياسة المختلفة.
- توافر الإطار المؤسسي:- وهنا لابد أن يكون هناك إطاراً تشريعياً ومؤسسياً يضمن الوظائف والاختصاصات والأهداف للاتحاد المزمع إنشاؤه.
- تقوم دولة أو اثنين بلعب دور القائد، كما قامت ألمانيا بلعب دور القائد عن إنشاء منطقة اليورو عام 1999، فقامت بفرض أسلوبها علي جانب السياسة النقدية الجديدة، فمقر البنك المركزي في ألمانيا ومحافظه ألمانياً، فقد كان المارك الألماني يمتاز بأنه عملة ضعيفة ولكنها مستقرة، فلعبت ألمانيا دور القائد لتحقيق استقرار اقتصادات منطقة اليورو.
- ونتيجة لعدم توافر الشروط الثلاث السابق ذكرها، فشلت الدول العربية في تحقيق تكاملاً اقتصادياً فيما بينها، وذلك علي الرغم من أن الدول العربية كانت سباقة إلي بدء ترتيبات اقتصادية عن الاتحاد الاوربي، ولكن نتيجة لعدم توافر هذه الشروط في الدول العربية، وتوافرها في الاتحاد الاوربي فقد نجح الاتحاد الاوربي أن يكون أول تجربة تكامل اقتصادي ناحجة يحتذي بها.
|