التاريخ : السبت 12 november 2011 07:27:33 مساءً
فى إنتظار أى بسمة ولو طائرة فى الهواء نجرى لنكون اول المتفرجين على أفلام العيد الكوميدية فى السينما القريبة منا. احمد مكى وفيلمه "سيما على بابا" و احمد حلمى وفيلمه "إكس لارج". عودنا مكى فى أفلامه السابقة أننا نضحك حتى نتعب ويخرج الشباب بعدة إفيهات يكررونها طوال العام
وعلى مستوى أعمق من المشاهدة تندهش لقدرة مكى على أن يطبق قواعد فن الكوميديا كما جاء فى الكتاب وهى قواعد التغريب أو" السخرية من الأنماط البشرية المختلفة وتصويرها بشكل لا يجعلك تتماهى معها أو تشفق عليها وانما تنظر لها من بعد لتكتشف فى النهاية انك كنت تشاهد نفسك ومن تعرفهم طوال الوقت" . ففى شخصيات فيلم "طير إنت" وجدنا العربى الثرى التافه بقفشاته وقناعاته أن الدنيا ملكه طالما ملك المال ووجدنا فى البطل الهندى الشامل سخرية رائعة من السينما الهندية أفيونة الشعوب الفقيرة وكذلك فى المطرب الرومانسى وجدنا سخرية من أراجوزات ساحة الغناء ومن الشباب الذين يجعلون منهم آلهه. أما فى حزلقوم فقد وجدنا الشاب المصرى البسيط بخيبة الأمل والعجز والذى أرهقه التعليم السيئ والأكل المسرطن والإعلام المبتذل فأفسدوا دماغه وجعلوه يضع " أيمن إبن احلام كراوية اللى فاتح سايبر وجارنا" فى جملة مفيدة قبل البدء فى اى موضوع.على المستوى الشخصى أنا مبهورة "بحزلقوم" و طريقة كلامه وملبسه وطريقة تفكيره وشهامته وطيبة قلبه فى النهاية و أشعر أن مكى بحث عنه طويلاً فى الميكروباص والمقاهي وفى طوابير العيش وربما ساعده على رؤيته وتفصيله هو الشق الأجنبى من شخصيى الفنان نفسه و الذى يعطى له البعد الازم للرؤية الواضحة.
المهم، دخلنا فيلم مكى فى إنتظار قنبلة أخرى من قنابل حزلقوم لكن جاء الفيلم مخيباً لآمال الكثيرين وشاهدت بنفسى بعض المشاهدين يخرجون من القاعة قبل إكتماله والأسباب كما أراها هى الخطوة الأعلى التى قام بها مكى ففيها يسخر أيضاً من الأفلام التجارية الشهيرة للخيال العلمى الامريكى والتى تسئ الى سمعة نمط الخيال العلمى بأكمله وإعتمد على ان المشاهد سيلتقط هذا سريعاً ويشغل عقله وسيرى رسالة الحرية التى يرسلها الفيلم الأول من خلال قصة سياسية متكررة " صراع على السلطة بعد اغتيال القائد الديكتاتور على كوكب بعيد فى مجرة اخرى وسيطرة الفساد ومتسلقى السلطة و الأرشديوك البالونة والشعب الذى يخدعه الإعلام وفى النهاية يمنح حزلقوم شبيه الرئيس المغتال الحرية للشعب ليحكم نفسه" ولكن معظم من دخلوا الفيلم أرادوا الضحكة السريعة دون تعب أو تفكير أو أرادوا البعد كل البعد عن كل ماهو سياسى. وفى الجزء الثانى من الفيلم إسقاطات سياسية جديدة على حياة المزرعة وقوة الإتحاد أمام الضباع الخسيسة التى تأكل حق الحيوانات وملابس خلابة للحيوانات لم يعتدها المشاهد المصرى سوى فى أفلام الأطفال الصغار جدا لذا ربما وجدها البعض مهينة أن يستمر فى المشاهدة بعد هذا( هؤلاء جبلوا على قمع الطفل بداخلهم ويرعبهم ان يخاطبه احد بعد الآن!). ربما لم يحسب مكى ردود الأفعال بدقة بينما رسالته تظل سامية وادواته مبتكرة وتناوله جرئ وطاقاته التمثيلية عبقرية .
أما حلمى فقد إنتقل منذ فيلم "آسف على الإزعاج" نقلة نوعية كبيرة وضعت عليه مسئولية خطيرة فى التجويد ولكن لأن فيلمه الأخير "بلبل حيران" كان هو الاخر مخيباً للآمال لذا كنا أمام توقعين إما ان يعوض الفشل أو يؤكده. عوض حلمى فيلمه الأخير بجدارة بفيلم واقعى مضحك للغاية لم يتم تناوله بهذا الشكل فى السينما المصرية من قبل وذو فكرة مبتكرة طبق فيها قواعد الكوميديا "بتصرف" كعادته فهو يمزج الكوميديا بالتراجيديا و الضحكة بعصرة القلب واخذنا لبعيد فى تلاحق مواقف الشاب البدين الذى لايفتئ يرى نفسه "مليان شوية" بينما هو بالكاد يعيش بعيداً عن مائدة الطعام. يجعلنا حلمى فى أفلامه الأخيرة القوية ندرك فى نهاية الفيلم وبدمعة او دمعتين أننا نحن البطل ويحدث فينا ما يسميه أرسطو ب " الخوف و الشفقة" أى أنه التاثير المعاكس تماما لفيلم مكى. ويحمل رسالة حرية واضحة ورسالة تغيير إيجابية ففى قصة الشاب مفرط السمنة الذى ينتصر على ضعفه ويقهر إدمان العادة ويفقد الوزن بالفعل ويحقق ذاته من أجل نفسه وليس من أجل الحب وجدنا دعوة وحث على التغير وترك كل العادات السيئة التى إستعرضها الفيلم فى أصحاب الشاب ودعوة لإنقاذ العمر فلا يجرى ويضيع هباء مثلما حدث للخال..إستقبلت الرسالة كمشاهد كرسالة للحرية لكل الشعب المصرى لأنه (مرة أخرى) التغيير ينبع من إرادة الداخل وليس من أى قوة خارجية وبهذا يكون حلمى قد حقق كل اهداف الفيلم المتوقعة فهو فيلم مسلى ومضحك وهادف ومناسب للمرحلة ويشير الى قوة حلمى الفنية وطاقاته التمثيلية.
تنافسهما لمصلحة المشاهد و ذكائهما المتقد لابد من إستثماره ورسالتيهما تواكباً مع لحظة تاريخية حرجة تقول :" تماسكوا، إتحدوا، تغيروا من داخل أنفسكم ومن أجل انفسكم، تحرروا من الخوف من التغيير." |