التاريخ : السبت 12 november 2011 07:30:22 مساءً
عرفت معنى سلوك الملوك عندما كتبت الأسبوع الماضى مقالاً بعنوان "رسالة إلى ملك الأردن"؛ أدعوه فيها للإسراع بقيادة التحولات الديمقراطية اللازمة حتى تصبح الأردن فى عهد جلالته مملكة برلمانية وفقًا للنموذج البريطانى الذى يقضى بأن العائلة المالكة تملك ولا تحكم.لم تمضِ ساعات حتى وصلنى بريد إلكترونى يطلب رقم تليفونى!
أرسلت رقمى لأتلقى مكالمة شديدة الرقة من أحد رجال الملك الذى حدثنى حول المقال بلغة عذبة وأدب جم.. أبلغنى أولاً أن جلالة الملك قرأ المقال بنفسه، وكلفه بإبلاغى أن الإصلاحات قد بدأت بالفعل، وأنها فى مسار واضح يبدأ بالبلديات، ويشهد العام القادم تحولات برلمانية هامة.
استمر فى الشرح والتوضيح بعبارات هادئة ومهذبة، فشعرت للحظة أنى مواطن أُردنىّ له عليه حق التوضيح، بل والإقناع!
قال إن هذه المسائل المصيرية تستغرق بعض الوقت لما تحتاجه من إعادة صياغة للقوانين والقواعد المنظمة لها. ختم بدعوتى لزيارة الأردن للوقوف على مدى جدية هذه الخطوات.طلبت منه أن يبلغ تحياتى لجلالة الملك، وشكرته.. متمنيًا للشعب الأردنىّ أن ينعم قريبًا بديمقراطية كاملة تساهم فى تعميق الصحوة العربية، وبزوغ نجم الأمة العربية من جديد..
ضغطتُ زر التليفون الأحمر، وأنا أقول لزوجتى: حقًّا سلوك ملوك! أتتذكرين كم مرة كتبت أفكارًا واقتراحات وطرحت حلولاً وآراء...؟ كثيرًا ما فعلت موجهًا كلامى لمسؤولين بعينهم، لأكتشف أنهم أصنام لا يسمعون أو لا يقرأون أو لا يفهمون أو غير مهتمين!
أدركت الفارق بين "سلوك الملوك" و"سلوك الضغط العالى"، أى سلوك من يصيبونك بالضغط العالى من تمرسهم على تجاهل أى رسالة توجَّه لهم، انطلاقًا من مبدأ "ولا كأنى سمعت حاجة" أو بمعنى أكثر وقاحة "مش هاعبّرك".حكامنا –قبل الثورة وبعدها- لا يعيرون بالًا لما يكتب.. إنهم فى هذا يتساوون مع الأميين، وهو ما يبين سبب تقاعسهم عن التصدى لمواجهة الأمية..جلالة ملك الأردن اهتم بمقال كُتِب فى بلد آخر.. شعر الملك ومن حوله بمسؤولية الرد، وعلى الجانب الآخر أقرأ دراسات وأبحاثًا ومشروعات شديدة الأهمية... وأتحسر لما أعرفه عن مصيرها!
أتعجب من الشعور الديكتاتورى المستقر فى نفوس حكام مصر حتى الآن.. والذى يفسر تعاليهم المستمر على كافة ما يطرح عليهم من أفكار وآراء!حتى الآن لم تفلح الثورة فى تغيير مفهوم الحاكم فى بلادنا؛ لا زلنا نعانى من عقول متصلبة متحجرة، لا تسمع إلا نفسها، بدلاً من أن تتلهف على الاطلاع على كل ما يطرح.. حتى النقد يحبه الأسوياء.. لأنه يعينهم على اكتشاف أخطائهم وتصحيح مسارهم.. لا نريد فى المرحلة المقبلة حكامًا من النوع الذى يتوهم أنه لم يخلق مثله.. فهؤلاء هم الأغبى على الإطلاق، وهم الأقل إبداعًا والأقل قدرة على فتح الباب لمشاركة الجميع.
أقول هذا بمناسبة اقتراب الانتخابات البرلمانية وتبارى المرشحين فى تقديم برامج "ماتخرش الميه".الأهم من البرامج هو شخصية البرلمانى التى تعكس قدرته على العمل الجماعىّ، داخل المجلس وخارجه.داخل المجلس يتعاون العضو مع باقى الأعضاء لتحقيق الصالح العام وحل كافة المعادلات شديدة التعقيد التى خلَّفتها المرحلة الانتقالية النارية التى نمر بها، وتاريخ طويل من الإهمال المتعمد للعديد من الملفات الهامة.
خارج المجلس يصبح على البرلمانى أن يتعاون مع طاقم مكتبه الذى يتكون من قانونيين ومثقفين ومتخصصين فى الزراعة والصناعة والاقتصاد والتعليم والصحة والبيئة والمرافق والإسكان وتمكين الشباب من الإبداع والبحث العلمى... لتحقيق طموحات البلاد بوجه عام وأبناء دائرته بوجه خاص... أملاً فى تأمين مستقبل لا يعرف العودة للوراء.نريد نوابًا يستمدون شرعيتهم من قاعدة جماهيرية لا تنقطع صلتهم بها، ليس لتلبية طلبات فردية غير قانونية، إنما لتطبيق الديمقراطية فى أسمى وأرقى صورها، والتى يمكن تلخيصها أو تعريفها بأنها نظام الحكم الذى يعترف بحق كل مواطن فى المشاركة السياسية والتعبير عما يتمناه وما يرفضه، ليصبح واجب النائب الشريف أن ينوب عنه فى نقل طلباته إلى باقى زملائه بالمجلس، فتصير هذه الطلبات –منذ لحظة طرحها- أمانة فى رقبة النواب جميعًا.أتمنى ألا نحتفظ من الملوك إلا بسلوكهم!
|