التاريخ : الثلاثاء 15 november 2011 12:18:34 مساءً
كنت أعتقد ربما مثلك تماما أن "حزب الوفد العريق" حزب ليبرالى، وصفته الكتب التاريخية والمدرسية بذلك، وتعلمت فى الأدبيات السياسية أنه ليس فقط حزبا ليبراليا لكنه "قلعة الليبرالية" فى مصر، وعندما تراجع فقط أرشيف جريدة الوفد خلال الثلاثين عاما الأخيرة ستكتشف أن الليبرالية حاضرة فى الأداء والخطاب والتصريحات، حتى الفترة التى حكم فيها حزب الوفد قبل يوليو 52 وتحديدا منذ إقرار دستور 23 تسمى تاريخيا بالفترة الليبرالية، ويمكنك أن تراجع تصريحات للمرحوم فؤاد سراج الدين فى جريدة الوفد، وما كتبه المرحوم جمال بدوى، وحتى ما كتبه الصديق سليمان جودة رئيس تحرير الجريدة الحالى عن ليبرالية الوفد.
لكن ربما كان كل ذلك وهما كبيرا، ربما خدعنا المؤرخون وخدعتنا الكتب المدرسية، وخدعنا الوفديون الأوائل، فقد قال السيد البدوى رئيس حزب الوفد الحالى قولا قاطعا فى هذا الأمر، وأقر بأن الوفد ليس حزبا ليبراليا ولم يكن كذلك فى يوم من الأيام.
الأرجح أنك تجد تناقضا بين الوفد الجديد الذى يحاول دائما أن يرتكز فى خطابه على إنجازات الوفد القديم وخطاباته ومواقفه المشهودة، وبين انكار رئيس الحزب للتراث الليبرالى داخل الحزب الذى كان أبرز ما قدمه الحزب للحركة الوطنية فى عصر الاحتلال، حين نجح فى تأسيس تيار رئيسى متماسك رغم تنوع مكوناته من مسلمين وأقباط وباشوات وعمال وفلاحين.
لكنك ربما تلتمس للبدوى العذر حين تجد أن "الليبرالية" تتحول تدريجيا إلى كلمة "سيئة السمعة" وكأنها معادل للكفر والإلحاد أو مضادة للدين والتدين، وهى صورة خلقتها من ناحية بعض ممارسات المحسوبين على الليبرالية، وأيضا حملات التشويه التى ترى فى أى اتجاه لا يجند الإسلام فى الاتجاه السياسى كفرا، لكن كل هذه الحملة بضراوتها كانت تنتظر كيانا كبيرا مثل الوفد ليرد عليها بتصحيح المفهوم عبر تقديم نموذج حقيقى لليبرالية، والتأكيد على أن الليبرالية ليست ضد الإسلام كعقيدة، ولا ضد التدين كممارسات، لكن رئيس الوفد اختار الحل الأسهل وخلع العباءة الليبرالية كلها، وزعم أن الوفد لم يرتديها يوما فى تاريخه.
وهو سلوك ربما تجده لا يتناسب مع حزب عريق المفترض أن يبقى وفيا لمبادئه الأساسية طالما أنه ليس فيها ما يشين، لكنه قد يتناسب مع ذهنية السيد البدوى التجارية كونه رجل أعمال، وهى ذهنية تترجم كل شىء إلى مكاسب وخسائر، وتنظر للانتخابات باعتبارها "صفقة" تحتاج لثمن يسدد حتى يأتى المكسب، وطالما أن الليبرالية "سوقها مش ماشى" فلا مانع من خلعها وإنكارها والهجوم عليها ضمنيا وبيعها "جملة وقطاعى" لبلوع المكسب النهائى.
إذا كان "الوفد" بات غير مقتنع بالليبرالية، فلابد أن يقدم ذلك فى صيغة مراجعات حقيقية تنتقد ما مضى من تاريخه، فمن حق كل حزب أن يختار تحولاته، لكن ليس من اللائق أن ينكر ماضيه ويدعى أنه لم يحدث..!
|