التاريخ : الجمعة 18 november 2011 06:06:47 مساءً
يكاد لايختلف الرأي أن الاستبداد السياسي ظاهرة قديمة قدم التاريخ البشري، بيد أنه قد اتخذ أشكالاً جديدة في هذا العصر، فكما يُعرف الذئب بأنه ذئب والنمر بأنه نمر يُعرف الحاكم المستبد بأنه صاحب سطوة لايعترضها شئ وأنّ في مقدوره اجتياح الأموال وإزهاق الأرواح دون مساءلة.
وفي ظلام الحكم الفردي تصبح الكلمة للقادرين علي الزلفى والبارعين علي التجمل والنفاق والساعين وراء مآربهم الخاصة وكذلك للذين يجيدون فن التصفيق والتسبيح بحمد الحاكم وانجازاته المتلاحقة،الأمر الذي أدي إلي وجود كم هائل متراكم من الفساد في دخان هذا الحكم المشئوم للعهد البائد في مصر وفي معظم البلاد العربية،فبينما كانت أوضاعنا الاقتصادية تتعثر كان أصحاب الحناجر والمباخر يتصدرون بينما أهل الخبرة والعلم يطاردون.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلي أن عبادة "الذات" أو عبادة الدنيا مرض قديم أو هي خمرة أسكرت نفراً من الحكام فدارت برؤوسهم وأدارت شعوبهم معهم فتري الحاكم يتدخل في شتي ميادين الحياة؛ في الإعلام والقضاء والأمن والتجارة والزراعة والصناعة وفي كل ماأمكن من شئون الحياة العامة والخاصة حتى يضمن بقاء الأمور في يده واستخفاء المعارضين من طريقه واستقرار اليوم والغد له ولأبنائه وأذنابه.
وكأن هذا الحاكم عالم بكل شئ وقدير علي أي شئ وربما يكون عاجزاً عن حل معادلة جبرية عادية ثم يعرض عليه ملف "أنشتين" فينظر فيه باذراء ثم يقول: هذا الشخص معارض لنا أو هذا الشخص لم يُسمع منه ثناءً علينا كان يجب طرده من منصبه ولكن عطفا منا عليه يُنقل إلي العمل بإدارة تكاد تكون أسفل الأرض أو بشئ قريب من ذلك ، ثم تنشر الصحف نبأ ترقية "أنشتين" وعطف الرئيس عليه ،والأدهى من ذلك هو استئجار عدد من حملة الأقلام للتسويغ ونفرٍ من الغوغاء للتصفيق علي نباهة الحاكم واتخاذه القرار السديد.
وفي خضم الاستبداد السياسي تنشأ عواصف عاتية تقتلع الأخلاق الشريفة والتقاليد النبيلة فيعلو السفلة والإمعات ويتضعضع أهل الفكر وتركد ريحهم ، وتكسد عملات ذهبية وتروج عملات لارصيد لها سوي أن إمضاء الحاكم مكتوب عليها.
ومن المؤكد أن الاستبحار العلمي سمة هذا العصر ،وأن الأمم تتنافس في استكشاف أسرار الأرض والفضاء ،وتستغل ثمرات هذا السباق في دعم كيانها السياسي والاقتصادي،غير أن انعدام التقدير واختلال الموازين في ظل الاستبداد السياسي يرمي الهمم بالقعود ويحمل الرجال علي اليأس،فكثير من العلماء لايعمل في مجال تخصصه ،وكثير من العاملين لايلقي التقدير والحفاوة الواجبة.
وغالبا وعلي مر العصور مايحاول المستبد أن يُغطي ظلمه بعباءة الدين فيجد من علماء السلطة مايبيحون له ماحرم الله، حيث تجد أكثر أحاديث هؤلاء العلماء محصورا في قضايا ثانوية أو حتى ثالثية ،أما حقوق الإنسان وضمانات القضاء العادل وتوفير الحريات الأساسية وتجريم المحاكم العسكرية للمدنيين ومسألة تزوير الانتخابات ومراقبة المال العام تحصيلاً وإنفاقاً ... إلي آخر مايضبط العلاقات بين الحاكم والمحكوم فهذا شئ وكأنه خارج عن نطاق الفقه الإسلامي.
وللأسف في خضم الثورات التي تقوم بها أمتنا العربية لتكافح الاستبداد السياسي، مازلت ألمح بعض سمات هذا الاستبداد تطّل علينا من أفق قريب أو بعيد ، فمازال في مصر علي وجه الخصوص الأقلام المسمومة التي تُضفي هالة علي الحكام وتصف كل قراراتهم بالحكمة والسداد وكأنهم معصومون ، فلو تأملنا بعض الجرائد الرسمية خلال الأسابيع القليلة الماضية لوجدنا أن الفارق هو فقط إزالة اسم "مبارك" وتبديله باسم "المشير" ،أنا لاأقصد بكلامي هذا أن نظل نوجه اللوم دائما للمشير والمجلس العسكري لكن أقصد إعطاء كل ذي حق حقه بلا مجاملة أو مداهنة، فكل ماأتمناه هو أن تحصد ثورة مصر وكافة الثورات العربية ثمار العدل والكرامة والمساواة وينقشع الظلم والاستبداد.
|