التاريخ : الاثنين 21 november 2011 01:34:09 صباحاً
لا تعرف السياسة تطييب الخواطر.. ولا إجماع فيها على الإطلاق، لأننا بشر نتفق ونختلف.. وتبقى فقط مساحات التعايش بيننا هى وسيلتنا الوحيدة عبر آليات تُسمى فى الكتب والمراجع "بالتوافق".. ودون هذا التوافق يصبح من المستحيل أن نفرض على فرقاء يتأرجحون فى التطرف بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، أن يجتمعا تحت مظلة أى ميثاق، ما لم يكن قد تم إقراره من الجميع.
هذا هو الدستور "أبو التشريعات" وميثاق الأمة.. فلا دستور دون توافق.. ولا توافق دون حوار.. ولا حوار دون محبة.. ليس شرطًا أن نُحب بعضنا البعض.. ولكن يكفى أن نتوافق فى حب شىء واحد.. وفى حالتنا المُستعصية لا حُب يجمعنا سوى "حُب الوطن".
وحيث إن قضية الدستور هى قضية مُعلّقة.. ومخاوفها مُؤجَّلة.. بات علينا أن نتجاوز خلافاتنا نحن المصريين لنعيش اللحظة الراهنة بخطورتها الكبيرة.. والتى نقترب فيها من حصاد أولى مراحل الديمقراطية التى صنعنا من أجلها أعظم الثورات السلمية فى التاريخ البشرى.. ألا وهى الانتخابات التشريعية التى تطرق أبوابنا جميعًا بعد أسبوع واحد، فى صراع سياسي على الحكم والسلطة.. صراع لم نعتد على معايشته.. نُمارس فيه فعل "المشاركة السياسية" بعد سنوات من الإخصاء والتهميش.
نحن مُضطرون إلى تأجيل مخاوفنا.. وأن يصمت الحديث "البايخ" عمّا تسمى "وثيقة السلمي".. لأننا باختصار يجب أن نتجاهل نقاط "الخلاف" ونحن مُقبلون على "صراع" أكبر ستحسمه صناديق الانتخابات، حتى لا يتحوّل الصراع إلى "اقتتال" ثم "فوضى" تأكل الأخضر واليابس، وتمسح "بأستيكة" تاريخ مصر "فجر الضمير".
وعندما يحين موعد الخلاف على ضمانات يفرضها المنتصر فى المعركة البرلمانية، ويطلبها المهزوم فى صناديق الانتخابات، لابد أن نتعامل مع السياسة بمُسمياتها، وأن نتجاوز هذا الهزل وحالة "الكساح الفكرى"، التى عشناها فى رحاب وثيقة المبادئ الحاكمة ومعايير تشكيل لحنة صياغة الدستور، بالتوافق على موقفنا منها، وألا نُكرّر الحديث عن وثائق استرشادية غير مُلزمة، ثم ورغم أنها كذلك نخرج فى مليونيات ترفضها وننظم مظاهرات تُطالب بها، وهى فى النهاية لا تلزم أحدًا ولا تستحق عناء صياغتها، لأنها مجرد "مشورة"، وليست تعبيرًا عن توافق.
لا تعرف السياسة أحاديث "كلمة الشرف" ولا الوعود، ولا تعترف بالقَسم بروح الغالية "طنط ألفت".. لكنها تحترم فقط التوافق والاتفاقات "المُلزمة" لا "الاسترشادية"، وهى أيضًا لا تلعب على الحبال بالحديث عمّا يسمى "ديكتاتورية الأغلبية"، و"حقوق الأقلية"، لأنها طالما تم الاتفاق على ثوابت معينة لا تنتقص من حقوق المواطنين، تعطى المنتصر فى المعارك الانتخابية حق القرار والحكم والسيادة، وعلى المُتضرِّر أن يعمل باجتهاد حتى يحين موعد آخر للتنافس فى صناديق الانتخاب.
لا شىء فى السياسة اسمه "وثيقة استرشادية".. ولا شىء فى السياسة اسمه "الاتفاق ثم التنصل منه"، لذلك ونحن نُمارس هذا الفعل الجديد علينا فى المجتمع يجب أن نعرف أن كلمتنا "عقد" يحترم، وأصواتنا الانتخابية "صفقات مُلزمة"، وهو ما يتطلب منَّا دقة القرار والاختيار، لأنه فى السياسة أيضًا لا يوجد شعار "مش لاعب"، فإن قررت من البداية أن تلعب سياسة، فكن حذرًا وامسك عليك لسانك، وسيطر على أقوالك، وحاول أن تحكم يدك قبل أن تحكم الآخرين.
أمامنا حدث مهم هو "الانتخابات"، وهى الطريق الوحيد الذى يجب أن نخرج إليه من ميدان التحرير الثائر، إلى ميادين الحرية، فإن نجحنا فيه وحمينا حقنا فى الديمقراطية، فإننا وقتها سنكون قد أكملنا ثورتنا.. واستعدناها من قبضة من حاول وقاتل حتى يسرقها ويسرق معها مستقبلنا.
|