التاريخ : الخميس 24 november 2011 04:48:55 مساءً
في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد والله الموفق والمستعان.. هذا نص بيان ما عرف بالتنحي، آثرت أن نعيد قراءته مرة ثانية لكي نعرف "راسنا من رجلينا " في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.
عندما نعيد قراءة نص هذا البيان تزول كثير من الدهشة والحيرة التي تكتنف المشهد المصري في أعقاب الموجة الثانية من اشتعال جذوة الثورة المصرية، وإصرار الثوار على إجبار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالعودة إلى ثكناته وتسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني وحكومة إنقاذ وطني تمتلك كل الصلاحيات لاستكمال المرحلة الانتقالية والوصول بمصر إلى بر الأمان الديمقراطي باستكمال الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ولنتذكر جميعاً أن الثورة المصرية التي انطلقت صبيحة يوم 25 يناير2011 كانت تحمل مطلباً رئيسياً وجوهرياً وهو( إسقاط النظام)، غير أننا فرحنا وابتهجنا بقرار تنحي مبارك الذي أعلنه عمر سليمان، وأنستنا الفرحة أن النظام لا يعني فقط شخص مبارك، حتى مع المكاسب الظاهرية التي حققتها الثورة في شهورها الماضية، لكن النظام مازال قائما، ويتولى المشير محمد حسين طنطاوي اليوم رعاية ما تبقى من هذا النظام القديم لإعادة إحيائه من جديد بصورة تخدر الثوار من ناحية، ومن ناحية أخرى تعيد الاتفاق مع الأحزاب العتيقة، وجماعات الإسلام السياسي لإعادة إرساء النظام القديم مرة أخرى بحبكة تدغدغ مشاعر الناس بخطابات من قبيل الثورة المصرية العظيمة، والشعب المصري العظيم، والقوات المسلحة الباسلة.
إن ما حدث صبيحة السبت 19 نوفمبر أعاد الثورة المصرية إلى مسارها الصحيح وعرى القوى السياسية التي راحت تتقاسم الغنائم، وركبت على ظهر الثورة والثوار ولوثت يدها بالاتفاق مع المجلس العسكري على ضرورة توقف قطار الثورة عند هذا الحد، لاسيما من ابتهجوا بأغلبية واهمة وظنوا أن بمقدورهم لي عنق الثورة والعبث في الهوية المصرية بغية تطبيق أجنداتهم الخاصة تحت ستار الدين.
ولابد هنا أن نفرق بين الجيش المصري العظيم الذي قوامه أخي وجاري وابن عمي وزميلي ومن كل بيت تجد جندي في الجيش المصري، هؤلاء لا حول لهم ولا قوة غير تنفيذ الأوامر، وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يرأسه رأس النظام المخلوع محمد حسني مبارك، هذا المجلس هو رأس النظام الحقيقي الذي يجب ألا تتوقف الثورة حتى يتم إسقاطه بأقل الخسائر الممكنة لأن معنى عناده وعدم تفهمه أن حقبة حكم العسكر الممتدة منذ يوليو1952 قد انتهت بكل تفاصيلها ومؤسساتها وشخوصها، سيحل بالخراب المستعجل على مصر والمصريين وسيفتح ذريعة لظهور الأصابع الخارجية بالعبث في تفاصيل المشهد المصري بعدما كانت تلعب في الخفاء وتشعل الثورة المضادة لإفشال ثورة شعب أراد الحياة فاستجاب له القدر.
إلى المشير طنطاوي.. لا تكابر واعترف أن الثوار كسبوا لعبة العسكر التي يمارسها نظامك منذ نصف قرن، اليوم نقول لك " كش مشير" وليس أمامك إلا الانسحاب بسلام والتحلي بأخلاق الجندي المهزوم، وحقنا لمزيد من الدماء وإلا فسيلعنك التاريخ في كل كتاب أنت ورجالك، وسترحل مضطرا ولكن بعد مزيدا من الدماء التي ستحاصرك حتى قبرك فاتعظ واعتبر ولا تكابر.
إلى القوى السياسية .. قبحكم الله يا من تبحثون عن مكاسبكم ومصالحكم على حساب مصر، أليس فيكم رجلاً حكيماً يتصدى لوقف العبث الذي يمارسه المجلس العسكري وجنوده الذين يعيدون نفس لغة القتل والدم، تلك اللغة التي كان يمارسها حسني مبارك ورجاله؟
إلى الثوار في كل ميادين مصر.. حافظوا على ثورتكم سلمية نبيلة كما عهدها العالم واستمروا في اعتصامكم ونضالكم من أجل حرية مصر وكرامة المصريين واحشدوا لها المزيد، ولا تفرطوا فيها مرة ثانية، فالثورة المصرية مستمرة، وليس عيبا أن تعيد تصحيح مسارها وتعالج أخطائها بعدما انقض عليها المتآمرون، .. اصبروا فالكلمة لكم مهما كان الثمن، فقدر مصر أن تقدم ثمن حريتها على القدر الذي يليق بها.
إلى كل الشرفاء في مصر من النخب والأكاديميين والخبراء والعلماء.. اليوم جاء دوركم لتنقذوا الثورة المصرية من عثرتها، بأيديكم أن تشكلوا مجلس رئاسي مدني من التكنوقراط غير المنتمين للتيارات السياسية، يتولى مخاطبة المجلس العسكري لاستلام السلطة بأمان، والإشراف على ما تبقى من المرحلة الانتقالية بإتمام الانتخابات البرلمانية والرئاسية وإن تأخرت قليلا لكن لا حل غير هذا الطريق وإن كان فالثمن سيكون باهظاً جداً على مصر والمصريين، وطال الأمد أم قصر لا بديل غير إسقاط حقبة حكم العسكر.
|