التاريخ : الاثنين 16 may 2011 09:40:30 مساءً
من يحكم مصر حاليًا؟ لا يغرب عني كأي مصري يعرف واقع ما بعد 25 يناير أن من يوجد في سدة الحكم رسميًا ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير الماضي هو الجيش أو المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ولكن هل يحكم المجلس العسكري مصر بالفعل في هذه اللحظة؟!
لا أعتقد أنني في حاجة إلي شرح مبررات طرح هذا السؤال الأن، فحالة السيولة الحادة التي توجد عليها الدولة الأن بجميع مؤسساتها خرجت بنا من مرحلة الشعور بالقلق إلي مرحلة الشعور بالخطر.. فالملاحظ أن وضع السلطة حاليًا في مصر هو وضع مشوش متعدد الرؤوس والمراكز تمارس فيه القوة في اتجاهات مختلفة ومتقاطعة أحيانًا لكنها غير ثابتة المركز أو الأطراف، وهذا الوضع هو استثنائي بطبعه وبحكم علاقات السلطة فيه، إلا أن الميل المضطرد داخل مجال هذه الممارسات إلي اتساع دائرة الأقطاب أصحاب القدرة علي استخدام أفعال القوة المنظمة، وليس انحسارها وضيقها كما يفترض أن يكون يزيد من المخاوف التي تحيط بمصير الوصول إلي خيار الدولة المدنية التي تعلي سلطة القانون.
حتي نفهم لماذا يتصاعد العنف من "صول" إلي "إمبابة" ثم "ماسبيرو" و"كوبري الجامعة" وربما غيرها إذا ما استمرت حالة التشظي لممارسات القوة بين أقطاب السلطة – الرسمي منها وغير الرسمي – ينبغي أن نراجع الوضع الراهن في إطار استعراضات القوة التي تتم بين مختلف الأطراف لمعرفة إلام تقود.. وأين يفترض بها أن تؤدي؟
لدينا منذ البداية تجربة فريدة: مجلس عسكري يتولي زمام السلطة رسميًا بعد سقوط النظام الحاكم السابق، ويحرص علي أن تكون الفترة التي يتولي فيها هذه المهمة أقصر ما تكون بهدف عدم الإخلال بالحالة المدنية للدولة، فلا يلجأ إلي الأحكام العرفية والعسكرية ويسارع إلي إعادة المظاهرة الطبيعية للحياة الاجتماعية والاقتصادية.. وبالرغم من أن ذلك يفترض أن يحسب لصالح رجال هذا المجلس، وهو ما قوبل بالترحيب من جهة الخارج إلا أنه في المقابل أسيئ فهم هذا الموقف في الداخل، واستغلت بعض القوي الوطنية وجود شرعية ثورية ناشئة عن سقوط النظام الحاكم السابق تحت ضغط الرفض الجماهيري، للتعبير عن مركز قوة جديد ولم يكن في ذلك ما يثير أي مخاوف في البداية عند كانت القوي الثورية صفًا واحدًا تدافع عن إرادة تغيير واحدة، وبالتالي شرعية ثورية جماعية تتجاوز مختلف الخلافات الفئوية، ولكن الواضح أن هذا الوضع لم يستطع الصمود عندما بدأت عملية الفرز السياسي لواقع ما بعد سقوط نظام مبارك، حيث بدأت حالة التشظي في ممارسات السلطة والنفوذ.
وبعد هذه اللحظة اصبح الجميع يستعجل قطف ثمار الثورة "إخوان" و"سلفيون" و"مسيحيون" و"ليبراليون" و"يسار" و"أحزاب مختلفة"، وبينما الجميع يفعل ذلك وفي غفلة إنشغالهم بتقسيم الغنائم، لم يتنبهوا إلي أن القوي التي كانت سائدة في ظل النظام السابق لازال لها من النفوذ والحلفاء وأصحاب المصالح ما يجعلها طرفاً في معادلة السلطة حتي وإن لم تخرج إلي العلن، وهي لا يبدوــ ولا يعقل ــ أن تفرط في مصالحها بسهولة لهذا فهي تصر علي مقاومة الاستقرار.
نحن إذن أمام اقطاب عديدة تتنازع السلطة أو تمارسها مع إختلاف أوزانها ومرجعياتها.. فما هو المطلوب الآن؟ هل هي حرب الكل للكل؟ أم تحريض أحداها علي إختطاف الثورة إلي غير عودة؟
يملك الجيش هذا الخيار وهو الأقدر وفقا لآليات السلطة القهرية علي ذلك، ولكنه إذا فعل خسر فضيلة الجيش الوطني المدافع عن الدستور والحارس الامين علي شرعية الثورة ، ومع ذلك فهو أقل الخيارات إلحاقا للضرر بالوطن.. أما الخيار الثاني أن يكون الوطن نهبا لصراعات القوي المختلفة التي تسعي لاستبدال الشرعية الثورية بشرعيتها هي.. وهذا الخيار يعني تسليم الوطن للمجهول، خاصة مع كثرة القوي المتربصة التي تلجأ للمداورات والمناورات التي تخلط الدين بالسياسة.
أما أسوأ الخيارات علي الإطلاق فهو حدوث الثورة المضادة، ونجاح مراكز القوي القديمة في إمتلاك، زمام الأمور مرة أخري.
فهل نحن مضطرون للاختيار بين هذه الخيارات؟!
قد نكون.. كلما أفلتنا من بين أيدينا دولة القانون، وتخلينا تحت أي مسمي عن سلطتها لصالح طرف ما أياً كان.. القانون وحده إذا ما منحناه كل منا جزءًا من سلطتنا ودافعنا عن إعماله وإنفاذه دون استثناءات .. يصح الوطن.
قد يكون القانون في حاجة إلي توافق عام في مثل هذه اللحظات حتي ينضج ويجاز.. ولكن إحترامه وإجبار الجميع علي الخضوع له هو ما يمكن أن نختبره الآن في صورة ما يقرره المجلس الأعلي للقوات المسلحة لإحترام النظام العام.. وعدم الخروج عليه من قواعد.
القانون وحده ينبغي أن يحكم مصر.. وعلينا أن نمهد الطريق أمامه!
|