التاريخ : الأربعاء 30 november 2011 11:30:15 مساءً
ربما كان الأسبوع الأسوأ على مصر.. تلك الأيام التى حشرت أحداثها حشرًا فى أسبوع واحد.. ليشهد ميدان التحرير "تجدّد" الثورة المصرية ضد نظام "يتجدَّد" هو الآخر بوجوه مختلفة.
مرَّ على ميدان التحرير أسوأ أيامه حينما شهدت شوارعه وأرصفته مذابح جديدة، ومشاهد هى الأسوأ على الإطلاق، والأكثر ألمًا على النفس، من مشهد "جرجرة" جثامين الشهداء إلى زبالة الرصيف، وسحل الفتيات وقنص العيون، إلى لقطات شارع محمود محمود المُرعبة.
تعرَّض الشباب المصري لأول مرة لنوع غريب من القنابل الخانقة والمُسيلة للدموع والدماء معًا كانت قد أرسلتها "واشنطن" للنظام السابق لتجربتها على المصريين، تقتل مباشرة ولا تفرق التجمعات، وتترك فى الجسم آثار سموم وأمراض، تحرق العيون وتجفّف القرنية، تعبث بالأعصاب وتغلق مسام التنفس.
شهد ميدان التحرير أيامًا كانت الأشد وطأة.. حينما تعالت صيحات التخوين.. والادعاء بأنه ومن فيه لا يمثلون مصر.. وواصلت "جوقة العسكر" بعد "فرقة حسب الله" التابعة للنظام المخلوع، الحديث عن التمويل والتخوين والأجندات والأصابع الخارجية، ووصل الأمر إلى تكرار قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتلك الأقاويل رغم أن الميدان نفسه هو الذى منحهم شرعية إدارة البلاد.
ترك المجلس العسكري قوات الشرطة تثأر من المُتظاهرين على مدار 4 أيام بكل الطرق والوسائل والأسلحة، فأصيب الميدان ومستشفياته الميدانية، التى تضاعفت عن أيام ثورة 25 يناير، بحالة غير مسبوقة من التخبط والارتباك، شهد معها عشرات الشهداء وآلاف المصابين، وحاول العسكر تكرار تجربة على عبدالله صالح فى اليمن مع سماحه بخروج مظاهرات مؤيدة لبقائه فى السلطة.. اختارت العباسية -فى اختيار ذى دلالة- مقرًا لها وجمعت شخصيات رموزها توفيق عكاشة، وأحمد سبايدر، وعمرو مصطفى، ومن على شاكلتهم.. رفعت فيه أعلامًا ذات حجم واحد تُستخدم لأول مرة.. للإيحاء بأن مصر مُنقسمة على مصير العسكر وعلاقتهم بالحكم.
استقالت حكومة الدكتور عصام شرف، الذى نال الفرصة لتسجيل اسمه فى تاريخ مصر بحروف من ذهب، فأضاعها وانتهى مصيره مُلتصقًا بالقاع، كأول رئيس حكومة -ربما فى تاريخ الثورات- يُرشّحه ثوّار، ثم يعزلونه بمظاهرات ومليونيات بعد أقل من عام.
لم يجد المشير ورفقته فى المجلس العسكرى سوى جراب النظام المخلوع لاختيار رئيس جديد للحكومة وكأن مصر لم تشهد أعظم ثورات الشباب السلمية فى التاريخ على هذا النظام وجرابه ورجاله والتابعين، فجرى اختيار كهل فى منتصف السبعين من عمره للمنصب الرفيع، وهو الدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء الأسبق، والذى عاش أكثر من 20 عامًا فى كنف نظام تقضى نصف تشكيلاته عقوباتهم فى السجن بتهم الفساد والإفساد.
ربما كان اختيار "الجنزورى" قرارًا حكيمًا يتخذه الرئيس المخلوع كنوع من الإصلاح بعد انتخابات عام 2005 بدلاً من حكومة نظيف، لكن أن يخرج رئيس حكومة من نفس جراب النظام القديم بعد ثورة أسقطته، فهى رسالة بأن الثورة ماتت والنظام لم يسقط بل تغيرت وجوهه.
ولعل الأداء المزرى للعملية الانتخابية فى يومها الأول وتأخر وصول القضاة بسبب الزحام المرورى، ومنع بعض المندوبين، وإغلاق اللجان بسبب توزيع استمارات انتخابية خاطئة، وتسريب أوراق الترشيح، وعدم منع المخالفات الانتخابية، وتفشى الرشاوى والمخالفات الانتخابية. يؤكد أن النظام السابق مازال مستمرًا بعشوائيته وإهماله وسوء نيته ونواياه.
أسبوع غريب مرَّ على المصريين.. خرجوا في بدايته بالآلاف من أجل مُحاربة عودة الظلم والقهر، فمات منهم من مات واختنق منهم من اختنق، وأتهموا بأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، ورغم ذلك عادوا للخروج فى نهايته للإدلاء بأصواتهم طمعًا فى تغير ديمقراطى حقيقى يزيح وجوه النظام بلا رجعة عن طريق الشعب.
|