التاريخ : الخميس 01 december 2011 09:48:32 صباحاً
نجحنا فى الثورة على الطغيان، وتفوقنا فى الصبر والإصرار على انتخابات البرلمان، اطمأنت قلوبنا جميعًا إلى سلامة فطرتنا وصدق مشاعرنا الوطنية؛ لم يعد أحد يشكك فى قدرات الشعب المصرى الذى أثبت أنه شعب بطل ثائرًا، وشعب حر ساعيًا إلى التخلص من أى وصاية أوحواجز تحول بينه وبين تأسيس أول دولة ديمقراطية فى تاريخه القديم والحديث.قالوا: غيرجاهز.. وقالوا: "زمارة تجمعه، وعصاية تفرّقُه".. وقالوا: جاهل.. وقالوا:يبيع صوته.. متعصب.. كسول.. إيه كمان؟ كلام كله باطل، واتهامات كلها ظالمة.
فى ميادين التحرير حصلنا على دورة مكثفة لمدة عشرة شهور، فلما جاءت الانتخابات كانت المهمةسهلة: نفس الوقفة، ولكن فى شكل طوابير طويلة بدلاً من حلقات مستديرة.لن نترك الميادين، ولن نترك الطوابير حتى يأتى اليوم الذى نقول فيه: إذن.. فهى الحضارة.
نعم، لقد أصبح منحق شعب مصر الذى انتزع حرياته أن ينعم بحضارة عصرية يؤسسها بنفسه.. حضارة تليقبنجاحه الباهر فى إثبات نقاء معدنه.
أتذكر اجتماعاتنا الأولى ونحن نؤسس حزب الحضارة.. قضينا ساعات طويلة ندرس الساحة السياسية والتوجهات المختلفة لينتهى بنا الأمر إلى اختيار الحضارة عنوانًا لرسالتنا.انطلقنا من يقيننا الذى أثبتت الأيام الحاسمة صحته، ألا وهو تشابه المصريين جميعًا لدرجةبعيدة، أقصد طبعًا تشابههم الداخلى وليس الخارجىّ، وهى مهمة سهلة لو نظرنا فى العيون التى أعتقد أن الله خلقها لتكون مرآة للنفس إلى جوار وظيفتها المعروفة فى الإبصار.. وهنا أتذكر شيئًا طريفًا جدًّا: فى أحد لقاءاتى مع بعض اليابانيين حبست ضحكاتى بصعوبة عندما اعتذر لى أحدهم بأنه لم يتعرف علىّ لأن المصريين جميعًا يشبهون بعضهم! تصور لو قال لك يابانىّ هذه الملاحظة! لقد احتجنا وقتًا طويلاً لندرك هذه الحقيقة، ونكتشف كذب كل ادعاءات التفريق والتمييز بيننا!
المصريونمتشابهون فى كل شىء.. متشابهون فى عيوبهم ومزاياهم.. متشابهون فى أحلامهم وطموحاتهم.. وهم -بلا شك- متفقون على أهمية تتويج تضحيات شهدائهم ومصابيهم ومناضليهم ببناء حضارة عصرية تعيد إلى الأذهان كل الحضارات المصرية العظيمة التى سجلها التاريخ، أو –بمعنى أصح- التى سجلت هى تاريخ الإنسانية.
من أول"الشعب يريد إسقاط النظام" حتى "الشعب يريد الغاز القديم"والشعب المصرى يؤكد أنه شعب واحد، فما حاجتنا إذن إلى تصنيفات: الإخوانى والمسيحى والسلفى والصوفى والعلمانى والليبرالى والتقدمى والناصرى والكَنَبِى (نسبة إلى الكنبة)؟
أبهرنا الكنبيون أو حزب الكنبة بخروجهم المشهود فى الانتخابات، حتى "الآسفون" كادوا يأسفون على أسفهم القائم على مبررات واهية.. لم يعد هناك من يختلف على أهمية استعادة الشعب لسلطاته، وأهمية أن يُفَوِّضَ فيها من يختاره وفقًا لمسار ديمقراطى حُرّ ونزيه.
بعد أن وحّدناالظلم والقهر والغاز القديم والجديد... أصبح من حقنا أن تُوحّدنا الحضارة التى تعنى الاستقرار والأمان وسيادة القانون وحقوق الإنسان... الحضارة لا تُبنى بشكل مباشر، ولكنه بناء الإنسان الذى يؤدى إلى بناء الحضارة.. أما كيفية بناء الإنسان، فهذا هو السؤال.. سؤال يمكن الإجابة عنه بكلمة كثيرًا ما ظُلِمت أو تأخرت فى قائمة الأولويات: الثقافة.
الثقافة -التى ترافعت كثيرًا دفاعًا عنها- هى المفتاح الأول لبناء الإنسان ومن ثَمَّ بناء الحضارة العصرية والمتألقة التى نحلم بها.
نريد أن نتخلص منعُقدنا بنشر ثقافة "ما عيب إلا العيب"، كما نريد أن ننشر ثقافة التفاؤل، ونحفز الإبداع والبحث العلمى بتأكيد معنى المثل الذى توارثه الفلاح المصرى الأصيل:"الدنيا مافيهاش فقر.. فيها قلة رأى".
ثقافة حب العلم لذاته بدلاً من حب الشهادة قادرة على تصحيح كافة أزماتنا التعليمية.. ركوب الدراجات -حفاظًا على البيئة وتخفيفًا للزحام- ثقافة.
لن يَبنى الحضارةالمعاصرة التى ننشدها إنسان لا يحترم القانون أو يتهرب من الضرائب أو يترك صنبورالمياه مفتوحًا..القدرة على الإنصات للآخرين والتحاور الهادئ البَنَّاء ثقافة.
بالثقافة نستطيع حل معادلاتنا التى تبدو شديدة التعقيد كمستقبل السياحة والمعاملات التجارية...تعريفات الثقافة عديدة ومطولة جدًّا.. أكتفى منها بالنور.أما تعريفات الحضارة، فقد اتفقت كلها على الاستقرار والنهضة فى كل المجالات.إذن.. فهى الحضارة.ولمن يصنفوننى:أرجو إعادة قراءة هذا المقال.
|