التاريخ : الأربعاء 07 december 2011 01:26:34 مساءً
كنت بالأمس أمام مشهد أكثر وضوحا لفكرة الاستخدام السياسى للدين، 23 مقعدا يتنافس عليها فقط مرشحو حزب الحرية والعدالة الخارج من رحم الإخوان المسلمين من جهة وحزب النور السلفى من جهة أخرى، صحيح أنهما يتواجهان فى أغلب الدوائر مع غيرهما لكن شكل التنافس المباشر ربما يكون أقل وضوحا وسط زحام القوائم والمرشحين من الأحزاب والتيارات الأخرى.
لكنك بالأمس كنت أمام اختيار مباشر بين حزبين كل منهما يقدم خطابا دينيا، وبنى جزءا معتبر من دعايته وأصواته على مخاطبة الإحساس الدينى لدى الناخب، صحيح أن خطاب الحرية والعدالة كان أكثر احترافية سياسيا، لكن هذا لا ينفى الفكرة بأن المتعاطف مع الأفكار الدينية، وتدفعه مشاعره الإيمانية لتأييد من ينصرون شرع الله، بات أمام اختيار بين اثنين كلاهما يدفعه للتصويت له، بقوله الإسلام هو الحل، أو انصر شرع الله، أو لا تخذل الإسلام.
هذا المشهد هو أصل الخلاف على إقحام الدين فى الدعاية الانتخابية، وتحويل التنافس الانتخابى من تنافس على برامج وأفكار وكفاءات أشخاص، إلى تصويت طائفى وانحيازات مبنية على الفرز العقائدى، وخطابات تحتكر الدين وتنصب نفسها متحدثة باسم الإسلام فى إطلاقه ومعبرة عن أحكامه دون جدال، دون أن تقدم للناس إجابة واضحة: شرع الله يعنى أن أنتخب الإخوان أم أنتخب السلفيين، وعندما يكون الاثنان متنافسين كيف أنصر شرع الله باختيار أحدهما، دون أن أكون قد خذلت الإسلام بعدم اختيار الآخر حسب ما هو مطروح من خطاب ودعايات لدى الجانبين.
قطعا سترد على بأن لا الإخوان ولا السلفيين يقولون باحتكار الدين، وأن ما يطرحونه هو فهمهم للشريعة الإسلامية، مثلهم مثل المذاهب الفقهية المتعددة التى تتنوع رحمة بالمسلمين، لكن هذا المنطق غير ظاهر تماما عندما يواجه التيار الإسلامى مرشحا مغايرا، فتجد المسألة تتحول من أن أدعوك للانحياز لفهمى للشريعة، إلى أن أدعوك للانحياز للإسلام باعتبار الآخر خصما للدين، عندما أواجه إسلاميا مثلى أقول هذا فهمى، وعندما أواجه ليبراليا أقول هذا هو الإسلام، رغم أن الليبراليين مثل غيرهم أيضا لديهم فهمهم للشريعة الذى لا يحرم حلالا ولا يحل حراما، ومبادئ الحقوق والحريات بإجمالها جزء من مقاصد الشريعة الإسلامية بما فيها فكرة الدولة المدنية القائمة على المساواة وعدم التمييز، كذلك اليسار لديه فهمه الخاص للشريعة الإسلامية وقيم العدالة الاجتماعية والتكافل وحقوق الفقراء، أيضا جزء من مقاصد الإسلام، فلماذا ينفرد البعض إذن بإدعاء الإسلام واتهام غيرهم فى دينهم وأخلاقهم لمجرد أن لديهم فهما مغايرا للدين لا يقترب من الفرائض المحسومة، ويختلف فى التأويلات والتفسيرات.
عندما تتدبر وقوفك أمام الصندوق تختار بين مرشحين كلاهما يقول لك انصر شرع الله، ستفهم معنى وقيمة هذا الحديث، والأرجح أنك ستعرف أننا نختار برلمانا للدولة، وليس مقاعد فى الجنة، فلن تؤجر باختيار أحد وتؤثم بعدم اختياره، لكنك ستخسر لا شك إذا قدمت الإنتماء الدينى على الكفاءة لظنك أن فى ذلك الأجر والثواب..!
|