التاريخ : الثلاثاء 13 december 2011 12:48:57 صباحاً
لهجة غريبة.. وعقليات متضاربة.. ومفاهيم مغلوطة.. كشفت عنها التفاهمات السياسية بين القوى المدنية فى أعقاب تسونامى الإسلام السياسي الذى فرض كلمته بقوة على الساحة فى المرحلة الأولى من الإنتخابات التشريعية، بإستحواذه وهو المنقسم الى تيارين "إخوان – سلفيين" على أكثر من 60% على المقاعد البرلمانية.
لهجة غريبة لأنها وبدلا من أن تتحالف بإعتبارها فى خندق واحد ولا تعانى من إختلافات جذرية فى المناهج، لجأت الى تبادل الاتهامات والتخوين، وخاصة من تحالف "الثورة مستمرة" الذى لا يستجيب لأية محاولات تدعو الى لم شمل الكتلة المدنية، والعمل على التنسيق الإنتخابي، بإعتباره محتكر ممثلى الثورة، فى مقابل حالة من الخزي والتخبط تسيطر على تحالف الكتلة المصرية بسبب تصدعات داخلية وخلافات توشك على الانفجار.
ولعل أبرز ما فى "اللهجة الغريبة" لتحالف "الثورة مستمرة" الذى يعبر بشكل أكبر من غيره عن "شباب الثورة"، هو إستخدام المنهج الإخوانى ذاته فى تلويث الحلفاء والخصوم على السواء، لتحقيق منافع خاصة، خاصة مع وجود احد الاحزاب الشبابية التى خرجت من مدرسة الجماعة، وهو حزب "التيار المصري" الذى كانت أبرز التيارات المؤسسة له مجموعة هم شباب الجماعة التى إنشقت عنها لمواقفها المتضاربة من ثورة 25 يناير، وعلى رأسهم الإخوانى السابق "إسلام لطفى" و"محمد القصاص" وغيرهما.
"النبرة الإخوانية الفظة" و"غرور المنتمين لها" فى صفوف تحالف "الثورة مستمرة" كانت الأعلى فى رفض التحالفات ونفى ما ينشر بشأنها، وكذلك التركيز على إتهام تحالف "الكتلة المصرية" بأنه تحالف يضم فلول من قيادات الحزب الوطنى، فى إشارة لبعض المرشحين على قوائم حزب "المصريين الأحرار"، رغم أن التحالف يضم احزابا أخرى أبرزها "التجمع" و"المصري الإجتماعى"، وهو ما نتج عنه حالة من التخبط الشديد، ليس لمواجهة مرشحين فى الدوائر التى قيل أنها تضم "فلول"، ولكن على العكس، وخير مثال الدائرة الثالثة بمحافظة الجيزة التى تضم أقسام "الدقى والعجوزة وإمبابة".
فى هذه الدائرة يترشح الدكتور عمرو الشوبكي على مقعد الفئات، وهو قامة أكاديمية وسياسية كبيرة، من أجلها سحب تحالف "الكتلة المصرية" مرشحه، لتسهيل مهمته، ولكن على العكس جاء موقف تحالف "الثورة مستمرة" بترشيح أحد شباب "حزب التيار المصري" فى مواجهته، وهو الشاب عبد الرحمن هريدي، ولم يتوقف الامر عند حدود ذلك ولكنه إمتد أيضا الى دعم الشاب عمرو عز الرجال مرشح "إئتلاف شباب الثورة" على نفس المقعد، وكأن الهدف ليس نجاح أيا منهما، ولكن تفتيت أصوات الكتلة المدنية فى هذه الدائرة، لصالح مرشح الإخوان المسلمين.
الامر ذاته تكرر فى الرائرة الرابعة حينما ترشح أحد قيادات حزب "التيار المصري" المسيطر والمتحكم فى تحالف "الثورة مستمرة" وهو إسلام لطفى فى مواجهة المستقل "محمد عبد المنعم الصاوي" مؤسس ساقية الصاوي، والذى يحظى بقبول بعض أحزاب الكتلة المصرية، وجماعة الإخوان ذاتها، على الرغم من إستمرار دعم مرشحها فى مواجهته.
رفض إسلام فكرة التنسيق على المقعد حتى لا يطير هو الاخر الى قوى الإسلام السياسي، ربما لأن دماء الإخوان مازالت تجرى فى عروقه، وبالطبع يصب ذلك فى مصلحتهم، وهو ما دفعه الى شن حرب شائعات ضد الصاوي بما فيها الترويج على صفحة التحالف بأن مؤسس ساقية عبد المنعم الصاوي من فلول الحزب الوطنى تارة .. أو من التابعين لجماعة الإخوان تارة أخرى.
كرر تحالف "الثورة مستمرة" ذلك فى دوائر يسيطر عليها قيادات حزب "التيار المصري"، ولكنه إنسحب بالكامل من المنافسة على 48 مقعد فى عدة محافظات، ليس بغرض التنسيق مع القوى والأحزاب والتحالفات المدنية الاخرى، ولكن لأنه لا يملك مرشحين من الأساس فى هذه الدوائر، ويحاول البحث عن وجوه يدعمها فى مواجهة مرشحى تحالف "الكتلة المصرية"، خاصة إذا كان المتنافسين عليها من الشخصيات العامة التى تحتاج جهدا لتفتيت الأصوات حولها.
المنطق ذاته فعله رجل الاعمال نجيب ساويرس "اللاعب على كل الحبال"، عبر حزب "المصريين الاحرار" الذى يمثل مشكلة حقيقية لتحالف الكتلة المصرية، بإصراره على ترشيح ممثلين لـ"الكتلة" فى دوائر رموز مدنية مثل عمرو حمزاوى بمدينة نصر، وجميلة إسماعيل بدائرة قصر النيل، لوجود خلافات شخصية معهما وليس لفهم سياسي أو منطق مفهوم.
ولعل مشكلة تحالف "الكتلة المصرية" مع نجيب ساويرس، لم تقف عند حدود تصريحاته المستفزة وغير السياسية على الإطلاق، والتى تجاوزت سقف "حسن النية والتصرف بشكل فطرى" الى مساحات أكبر من التضارب تكاد تصل الى حد "التآمر على التيار الليبرالى"، ولكنها تمتد أيضا الى المراهقة السياسية التى يتمتع بها، والتى تجعله يقبل ما يعرض عليه، بغض النظر عن مدى تماشى هذا القبول مع موقف التحالف "الموصوم بإسمه"، والمحروم من "تمويله الكبير المباشر"، على عكس ما يعتقده البعض، إضافة الى قبوله ترشيح أشخاص محسوبين على الحزب الوطنى المنحل ضمن قوائم حزبه داخل التحالف، والتى دفعت الدكتور محمد غنيم أحد رموز الجمعية الوطنية للتغير – أهم مكونات تحالف الكتلة المصرية – الى نقل تأييده من قوائم "الكتلة المصرية" الى قوائم تحالف الثورة مستمرة، لولا تدخل الدكتور محمد أبو الغار احد أهم مؤسسي الحزب المصري الإجتماعي – أحد اهم مكونات تحالف الكتلة المصرية – لدفعه الى التوقف عن كشف ميوله بشكل علنى.
فى المقابل أدى سيادة "مبدأ الغاية تبرر الوسيلة" الى ضياع قوى مدنية كبرى بسبب تحالفها مع الإخوان المسلمين فى "التحالف الديمقراطي" الذى تحول - فى أكبر عملية خداع سياسي الى تحالف بإسم حزب الجماعة "الحرية والعدالة"- "مثل حزب غد الثورة" الليبرالى بزعامة الدكتور أيمن نور بما له من خبرات تنظيمية أكبر من الاحزاب الجديدة، وحزب الكرامة العربية بزعامة حمدين صباحى القادر على حشد الأصوات القومية، خاصة فى ظل حالة الضياع التى يعانى منها الحزب العربي الناصري الذى انسحب من التحالف فى اللحظة الاخيرة بسبب ابتلاع الإخوان لترشيحات القوائم، وهو نفس السبب الذى ابتعد بسببه "حزب الوفد" أيضا منفردا بقوائمه ومرشحيه.
ولعل المتابع بدقة لما يحدث من اخطاء من أحزاب الكتلة المدنية، يلحظ خروجها من المنافسة على مقاعد "العمال" فى عدد كبير من الدوائر، وعجزها عن ترشيح "عمال او فلاحين" فى المقاعد الفردية ما أدى إعتبارها مقاعد ضائعة، حتى فى التحالفات التى تضم احزاب يسارية مثل حزب التجمع ونقابة العمال المستقلة فى تحالف "الكتلة المصرية"، وحزبى "التحالف الإشتراكى" و"الاشتراكي المصري" ضمن تحالف "الثورة مستمرة"، ما يؤكد أن هذه الأحزاب لا تملك كوادر عمالية على الأرض، وإنتهاء قدراتها على إستيفاء نسبة العمال فى القوائم الإنتخابية.
حزب العدل هو الأخر غاب عن التنسيق مع القوى المدنية، ورغم مساندة كافة التحالفات لمؤسسه الشاب مصطفى النجار فى معركة الإعادة بدائرة مدينة نصر فى المرحلة الاولى فى مواجهة مرشح القوى الإسلامية، إلا انه تنصل من كل الاتفاقات التنسيقية حول مقاعد القوى المدنية، وقرر خوض المعركة بمفرده فى عدد كبير من الدوائر، وإن كان أكثر ميلا للتنسيق مع تحالف "الثورة مستمرة"، ربما لطبيعة اللغة الواحدة التى يعرفها الطرفين بإعتبار أن قيادة الحزب "العدل" والتحالف "الثورة مستمرة" من شباب جماعة الإخوان المسلمين المنفصلين عنها حديثا.
حالة العزلة والعشوائية إمتدت أيضا الى "حزب الوعي"، لمؤسسه شادي الغزالى حرب الذى إنفصل بقوائمه الأربعة اليتيمة ومرشحيه الـ 17 فى كل محافظات مصر، عن كل القوى المدنية مفضلا العزف منفردا، ليطيح بكل فرصه ولو لتحقيق مقعد واحد فى برلمان الثورة، ويلاقى نفس مصير حزب الجبهة الديمقراطية الذى كان قد أسسه والده "اسامة الغزالى حرب"، والذى تجاوزته المنافسة وأكدت غيابه الفعلى عن الشارع "سياسيا وشعبيا".
وإذا كانت تلك النتائج المخزية للتيار المدنى فى المرحلة الاولى وليدة أخطاء بعينها، فهى أيضا نتاج التخبط والعشوائية والبحث عن زعامات وهمية، وتحقيقا لمخططات لن تتضح معالمها فى المرحلة الحالية، وربما تكشف قذارتها بمرور الوقت .. فالإنتخابات تمثل قمة العمل السياسي "القذر بطبيعته".
|