التاريخ : الاثنين 26 december 2011 08:50:59 مساءً
ظل الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية القوتين الرئيسيتين في حياتنا السياسية منذ 52 وحتي الآن، ورغم ثورة يناير إلا أن غالبية القوي السياسية لم تزاحم القوتين السابقتين في صدارتهما للمشهد السياسي وعادت الأوضاع الي سيرتها الأولي أي الاخوان والجيش، حتي إذا تحدثنا عن تحالفات سياسية فسوف ينصرف الذهن فورا الي تلك القوتين، وكذلك إذا تحدثنا عن صدام قادم فسوف نفكر في تلك القوتين، والحديث عن ترتيبات وتفاهمات بين الإخوان والمجلس العسكري له دلائله مثل اختيار المجلس الأعلي لممثل عن الاخوان المسلمين في لجنة التعديلات الدستورية دون بقية الفصائل والحركات والتيارات السياسية وقد رد الإخوان الجميل للمجلس العسكري فعندما جرت الدعوات الي مليونيات ميدان التحرير أو أية ميادين أخري وتأكدت جماعة الإخوان أن تلك المليونيات سترفع شعارات ضد العسكري وسياساته، انسحبوا فورا وأعلنوا عدم مشاركتهم لتلك المليونية (آخر تلك الانسحابات جرت في الجمعة الماضية التي حملت عنوان حرائر مصر).
يمتلك المجلس العسكري القوة والردع ولايمكن لأي فصيل سياسي يسعي لحكم مصر ألا يكون علي توافق أو تفاهم أو رضاء من المؤسسة العسكرية، وبالمقابل فإن المجلس العسكري لايمكنه إدارة البلاد في الفترة الانتقالية دون أن تقف الي جواره قوة الشارع والحشد الجماهيري تلك التي يمتلكها الاخوان، هكذا التقت مصلحة الطرفين، لكن هل هذه هي كل تفاصيل الصورة أم أن تلك القوتين غابت عن أعينهما تغيرات كثيرة جرت علي الأرض مما يفرض معه واقعا جديدا يتمثل في إضافة قوي أخري للمشهد ويجعل من استمرار القوتين الرئيسيتين الاخوان والجيش وحدهما في المشهد السياسي أمرا كان ماضيا، بعد أن ظهر لاعبون جدد يصعب تجاهلهم في المعادلة السياسية الحالية ومن تلك القوي الجديدة مايلي:
1- ميدان التحرير: أصبح ميدان التحرير قوة رئيسية في حياتنا السياسية لايمكن لأي فصيل سياسي تجاهله، بل إن صانع القرار في الدولة المصرية عليه أن يضع في حسبانه تأثير ميدان التحرير علي قراره,هذا الميدان الذي لم يعد جامعا للثوار فقط بل ضم كل أطياف المجتمع من أقباط وعمال وموظفين بعد أن أصبح الميدان هو هايد بارك المصريين وملاذهم، دعك هنا من محاولات ساذجة للبعض لخلق ميادين أخري لضرب ميدان التحرير وهي محاولات محكوم عليها بالفشل مثلما جري في عهد الرئيس المخلوع الذي حاول تحويل ميدان مصطفي محمود كميدان مناوئ لميدان التحرير ثم بعد الثورة حاولوا في ميدان روكسي وفشلت المحاولات.
2- القوي الجديدة: نعني بها جميع الأحزاب الجديدة مثل المصريين الأحرار والمصري الديمقراطي وحركات 6 ابريل والجمعية الوطنية للتغيير وكفاية وكل الائتلافات المنتمية والمعبرة بحق عن الثورة وكل هؤلاء يمثلون روح الثورة المصرية والمدافعين عن مدنية الدولة (تحفظ كيفما شئت علي أداء بعض تلك الحركات والأحزاب لكن لايمكنك أن تنكر وجودها أو تأثيرها وقوتها الفاعلة في الثورة) وتلك القوي أصبحت رقما مهما في حياتنا السياسية ولايمكن تجاهل تأثيرها خاصة بعد أن أصبح لها تمثيلها الواضح تحت قبة البرلمان الجديد، ومن الخطأ أن تتجاهل المؤسسة العسكرية أو الإخوان مثل تلك القوي التي نجحت أكثر من مرة في حشد مليونيات في ميدان التحرير بعيدا عن الإخوان وجماعات تيار الاسلام السياسي.
3-الكتلة الصامتة: تلك الكتلة التي سميناها اعلاميا بحزب الكنبة والتي تضم قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطي بالمجتمع والتي يمكنها في حالات التعبير عن الغضب أن تملأ شوارع وميادين مصر، والاضرابات الفئوية والمظاهرات الاحتجاجية خير دليل علي ذلك، وقد خرج كثيرون من تلك الكتلة الصامتة وأعطوا أصواتهم لحزب الحرية والعدالة وماهم بإخوان لكن طمعا في أن يحقق الإخوان لهم من خلال البرلمان حلولا لمشاكلهم المتعلقة بالبطالة والصحة والاسكان والتعليم وتلك الكتلة إذا لم تشعر بنتيجة ايجابية سريعة لاختياراتها فسوف تنقلب علي من اختارتهم ومن ثم لايمكن لأي قوي رئيسية في المشهد الحالي تجاهل تلك الكتلة.
4- سطوة الإعلام: منذ 52 ظل الإعلام تابعا أو أحد أدوات المؤسسة العسكرية وبوقا لكل رؤساء مصر الذين جاءوا من تلك المؤسسة أما اليوم وتحديدا بعد ثورة يناير فقد انفجر المشهد الاعلامي وباتت محاولات السيطرة عليه من قبل السلطة أمرا مستحيلا ولا أقول صعبا وعندما نتحدث عن الإعلام فلا نقصد طبعا التقسيمات الكلاسيكية من تليفزيون وصحف فقد ظهر الانترنت الذي اتاح للجميع بلا إستثناء أمتلاك وسيلته الإعلامية صوتا وصورة فظهرت ملايين المدونات وجري تحميل ملايين اللقطات الفيلمية علي اليوتيوب وإذا حاول البعض خداع الرأي العام وترويج صور ومشاهد تخالف الحقيقة وأمكنه السيطرة علي برامج الفضائيات فإن الانترنت بعالمه اللانهائي سيكون له بالمرصاد وسيفضح أكاذيبه، ومراجعة سريعة لكل مافعله الانترنت منذ الثورة حتي الآن سيؤكد مانقوله.
ظني أنه بعد الاستعراض السريع لكل ماسبق فإنه يصبح من الاختزال زعم وتصور قادة القوتين الرئيسيتين في المشهد (الاخوان والمؤسسة العسكرية) أنهما سيزاولان اتفاقاتهما وتحالفاتهما مثلما جري طوال ستين عاما في ساحة خالية، والقراءة المتأنية للسطور السابقة سوف يجعلهما يعيدان النظر في الكثير من تحالفاتهما وكذلك تصريحاتهما.
|