التاريخ : الأحد 22 may 2011 02:50:34 مساءً
"الفساد للركب" إنها العبارة الشهيرة التى سبق وأن أطلقها رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق تحت قبة البرلمان وأمام ممثلى الشعب ليعبر بحق عن ما آل اليه حال المجتمع، ولم يكن الرجل مخطئاً فى هذا فقد نطق بالحقيقة التى يعلمها جيداً بإعتباره أحد أهم أركان هذا النظام الذى أفسد مصر والمصريين.
لقد تعمد هذا النظام إساءة استخدام السلطة بهدف التربح وتحقيق ثروات طائلة غير مشروعة، ليس فقط من خلال عمليات الفساد الواسعة التى قام بها ولكن أيضاً من خلال إفساد مؤسسات المجتمع المختلفة، وقد تحقق له ما أراد من خلال إفساد السلطة التشريعية من خلال التزوير الفاضح للإنتخابات مما أدى الى إسقاط مفهوم المساءلة والمحاسبة وأدى الى تشوه التمثيل النيابى وعدم قدرته على ممارسة دوره فى عملية صنع القرار السياسى، وقد أدى هذا الى إفساد الحياة السياسية.
كما تعمد ذلك النظام إفساد السلطة القضائية من خلال غض الطرف عن مبدء الفصل بين السلطات، وتدخل السلطة التنفيذية وأقطاب النظام السابق فى عمل السلطة القضائية حتى أصبح يعرف ما يطلق عليه القاضى البرءاتى والقاضى العقوباتى، مما عرض معه سيادة القانون للخطر وإختفت معه هيبة الدولة.
كذلك فقد تعمد هذا النظام إفساد السلطة التنفيذية من خلال إستقطاب حكومات متعاقبة لها تاريخ طويل فى إستغلال النفوذ والتربح، مما أدى الى إفساد المؤسسات الحكومية والتى تعمدت مخالفة القوانين والقواعد والأحكام التى تنظم سير العمل وكان نتاج ذلك تسهيل عقد الصفقات لرجال النظام السابق.
إن عملية الإفساد التى تعمد النظام السابق أن يزرعها داخل كافة مؤسسات الدولة كان لها مضاعفاتها الخطيرة التى أصبحت تؤثر على نسيج المجتمع وسلوكيات أفراده، وسوف يستمر المجتمع يدفع ثمن هذا الإفساد لفترات طويلة قادمة من خلال نمو وتزايد تلك الظاهرة بفعل عوامل إجتماعية وإقتصادية ضاربة فى بنية المجتمع.
وما كان يحدث من جانب النظام السابق من عملية إفساد منظمة وممنهجة لكافة مؤسسات المجتمع ليس ببعيد عن الجهاز المصرفى، ومع اتفاقنا التام على أن الجهاز المصرفى فى مصر حدث له تطور هام منذ دخوله فى عملية إصلاح شامل وإعادة هيكلة منذ صدور قانون البنوك عام 2003، غير أن ذلك لا يمنع من وجود عملية إفساد كانت تحدث داخل الجهاز المصرفى، يأتى فى مقدمتها إختيار القيادات التابعة للجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل، وكذلك إعتماد تلك القيادات على عدد من المستشاريين المقربين ومنحهم مرتبات خيالية وبمباركة قيادات البنك المركزى، رافعين شعار أهل الثقة مقابل أهل الخبرة وهو ذلك الشعار الذى تم تطبيقه على كافة مؤسسات المجتمع.
ويعد تأكيد على هذا ما صرح به نائب محافظ البنك المركزى مؤخراً من أن ثروات وحسابات رجال الأعمال والمسؤولين والسياسيين السابقين بالبنوك العاملة بالسوق المحلية لا تقارن بما تم تحويله للخارج فى الفترة التى سبقت الثورة مباشرة.
وهذا التصريح يفتح باب التساؤل عن دور البنك المركزى المصرى بصفته المنظم والرقيب وهو يشاهد عمليات تحويل واسعة للأموال تحدث قبل الثورة مباشرة، وكلها يمكن أن تخضع للعديد من القيود التى تمنع تحويلها للخارج.
كذلك يفتح ذلك التصريح التساؤل عن دور وحدات غسل الأموال الموجودة بكافة البنوك المصرية والدور الذى كان يجب أن تلعبه فى تتبع تلك التحويلات بهدف الحد منها، حيث تشير اللائحة التنفيذية لقانون غسل الاموال رقم 80 لسنة 2002 الى ضرورة تتبع العملاء الذين يتم استخدام حساباتهم فى تلقى وصرف مبالغ كبيرة ليس لها غرض واضح أو علاقة واضحة بصاحب الحساب ونشاطه، وكذلك تتبع العملاء من ذوى المناصب السياسية والحزبية المعروفة وكذلك أقاربهم من الدرجة الأولى.
إنها أحد القضايا الهامة التي تواجه البنك المركزى المصرى ووحدات غسل الأموال داخل البنوك المصرية وتحتاج الى إعادة التفكير
|