التاريخ : الأحد 08 january 2012 06:50:42 مساءً
(1) مهما جرى، ومهما كانت حيلكم وألاعيبكم، ومهما كان الثمن الذى سندفعه، لن نخون دماء الشهداء، ونترك أحلامهم تتداعى تحت أحذيتكم الغليظة، أو تتبخر على أكف أتباعكم من صائدى الفرص ومغتالى آمال البسطاء، وسنكمل ثورتنا سلمية كما بدأناها، حتى يجد كل مصرى العيش والحرية والكرامة. ولتعلموا يا من لا تدركون مكر التاريخ أن جداركم مهما ارتفع فمياه ثورتنا ستعلوه، وتغرق كل الجبارين الفاسدين.
(2) منذ شهر مارس حذرت من «شيطنة الثورة» إذ شعرت بأن هناك خطة منظمة لتشويه «الطليعة الثورية» بدعوى أنهم مجموعة «طائشة» أو «عميلة» أو «مشاغبة» وتابعت على مدار الشهور الماضية تطبيق هذا على الأرض من إمبابة إلى العباسية وماسبيرو ومحمد محمود.. إلخ. فى ضوء ذلك رأيت الصور التى تعرضها إحدى القنوات عمن وصفتهم بـ«مستفزى الجيش» وضحكت من أعماقى وأنا أرى حركات أياديهم وألفاظهم البذيئة، وقلت: لماذا لا يكون هؤلاء مدسوسين يؤدون دورا مكلفين به لتبرير العدوان على الثوار ونزع التعاطف معهم؟.. لتبقى ثورتنا سلمية، وحذار من الانجرار إلى العنف، ولنفهم مرة أخرى أن «قوتنا فى عددنا».
(3) مهما وقع من تجبر وعنت يجب ألا نخرج عن سلمية ثورتنا، ولنؤمن أن الكلمة أقوى من الرصاصة، وأن الدم سينتصر على السيف، وأن الشعب هو الأقوى، لأنه صاحب الحق والرؤية والشرعية والقدرة، ولنحول غضبنا إلى طاقة جبارة لاستكمال ثورتنا فى تحضر وصبر، وكلنا يقين بأن مآل الظالمين هو البوار، ولننتبه إلى الفخاج القذرة المنصوبة لنا، والتى يلهث أصحابها إلى أن يتحول احتجاجنا السلمى الذى أذهل البشرية كلها إلى شغب فيبررون الاعتداء علينا، وينزعون عنا تعاطف الناس تباعا.
(4) من يضحى بحريته من أجل أمنه، لا يستحق أمنا ولا حرية. ومن يفرط فى دم أريق فى سبيل كسر قيودنا مكانه الطبيعى زنزانة باردة ضيقة، أو ضيعة ينحنى فيها عبدا ذليلا، أو حفرة يرقد فيها ويهيل على نفسه التراب.
(5) فى هذه الأيام العجاف التى اختلط فيها الحابل بالنابل، وكثر فيها الحديث عما يسمى «الأغلبية الصامتة»، أجد نفسى أردد مع الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه: «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه»، وأقول مع أبو حيان التوحيدى: «الحق لا يصير حقا بكثرة معتقديه، ولا يستحيل باطلا بقلة منتحليه»، وأصرخ مع ابن حزم الأندلسى: «وأما قولهم إن الذى عليه الأكثر فهو الهدى، والطريقة المثلى، فكلام فى غاية السخف.. ولا يرضى به من له مسكة عقل»، وأنصت إلى نصيحة عبد الله النديم وهو يأمرنى: «اتبع الحق وإن عز عليك ظهوره». وقبل كل هؤلاء أسمع وأطيع قول الرسول الكريم: «لا تكونوا إمَّعَة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا»، وقبل كل شى ء وكل قول ما جاء فى محكم آيات الله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ». وبعد هذا أقول من واقع خبرة الإنسان العميقة والعريقة والعتيقة على هذه الأرض: «التاريخ يصنعه الصائت وليس الصامت».
(6) تلقيت اتصالا هاتفيا اليوم من شاب يصرخ: الحقنى يا دكتور، ضابط بقسم السيدة زينب يريد أن يلفق لى تهمة حرق مبنى المجمع العلمى وأنا رجل أمى لا أعرف فى حياتى كلها سوى دار الكتب القديمة بباب الخلق.. «عاوز يقفل المحضر بى وأنا مظلوم مظلوم». ونظرت أمامى على الحائط لأتأكد أننى فى ديسمبر 2011 وليس فى ديسمبر 2010، لكن غامت الرؤية واختلطت الحروف والأرقام، فلم أعد أعرف اليوم من الأمس. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(7) الحب غير التعود لأن الأول حرية والثانى سجن، الأول براح والثانى زنزانة، الأول ساحر والثانى عمل روتينى أشبه بما يجرى فى مكاتب الموظفين. الحب إن صار تعودا مات، الحب يجب أن تنفجر فى مجراه ينابيع لا نهاية لها تجدد مجراه باستمرار، الحب نار تحتاج إلى حطب دائم من الشوق والشغف والوله والولع والغيرة والصد والإقبال والرغبة العارمة فى الذوبان والتلاشى، أما التعود فهو الرماد الفاتر الذى ينتظر ريحا لتذروه أو مطرا ليحوله إلى وحل. من أجل كل هذا نحن نحب بلدنا وليس مجرد أننا تعودنا عليه، ونحب ثورتنا ولم نعتد عليها، وبهذا الحب سنكمل طريقنا لنتعود على العطاء بلا نهاية، ودون انتظار شىء.
(8) فى كل مكان يستوقفنى كثيرون ويسألوننى: مصر رايحة على فين؟ فأبتسم وأقول: مصر ستذهب فى الطريق الذى يريده المصريون، ألسنا فى مرحلة «الشعب يريد؟».
(9) بعد واقعة الهجوم على منظمات حقوقية يتردد الآن فى بعض الكواليس أن المجلس العسكرى أعد قائمة بأسماء كتاب وباحثين وإعلاميين وصحفيين وساسة وخبراء يهاجمون سياساته أو ينتقدونها وسيقوم برفع دعاوى قضائية ضدهم يتهمهم فيها بالإساءة إلى الجيش ... هذه الإجراءات لن تثنى الواثقين من أنفسهم، المخلصين لوطنهم من قول الحق. ونقول لكل من يريد أن يكمم الأفواه ويقصف الأقلام: حبسنا خلوة، وتعذيبنا جهاد، ونفينا سياحة، وقتلنا شهادة، فطريقكم مسدود مسدود.
(10) الثورة قائمة لعن الله من يوقفها.
|